في توقيت بالغ الحساسية، ومع تعقّد المشهد اليمني إقليميًا ودوليًا، جاءت دعوة الدكتور رشاد العليمي، المطالِبة بتدخل عسكري من التحالف العربي ضد تحركات القوات المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لتفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول دقة قراءة الصراع، وجدوى إعادة استحضار مسارات أثبتت التجربة فشلها وكلفتها الباهظة.
هذه الدعوة، التي جرى تسويقها تحت عناوين حماية المدنيين والحفاظ على المركز القانوني للدولة، لا يمكن فصلها عن سياق سياسي أوسع، تسعى فيه بعض القوى إلى تحويل بوصلة الصراع من مواجهة المشروع الحوثي–الإيراني، إلى صراع داخلي يستهدف الجنوب وقواه الفاعلة. وهو تحوّل لا يتعارض فقط مع أولويات المعركة، بل يتناقض أيضًا مع الإرادة الشعبية والرسمية في محافظات الجنوب، التي عبّرت بوضوح عن دعمها لدور القوات المسلحة الجنوبية في حفظ الأمن والاستقرار.
إن استدعاء التحالف العربي لمواجهة شريك ميداني كان في طليعة من تصدوا للحوثيين منذ 2015، يضع التحالف أمام معادلة شديدة الحساسية، وقد يزج به في مسار يتناقض مع الأسس التي انطلقت منها عملية «عاصفة الحزم»، والتي تمحورت حول منع تمدد النفوذ الإيراني، وتأمين الممرات البحرية، وحماية الأمن القومي العربي، ويتعارض مع مبادئ الشراكة ونقل السلطة لمجلس القيادة الرئاسي والصلاحيات المفوضة لرئيس المجلس.
الأخطر في هذا الخطاب أنه يستحضر، بصيغ جديدة، أنماطًا قديمة من التحريض السياسي، سبق أن قادت إلى صراعات دامية ضد الجنوب. غير أن إعادة إنتاجها اليوم، عبر توظيف التحالف كأداة ضغط داخلي، لا تهدد فقط استقرار الجنوب، بل تضعف جبهة مواجهة الحوثيين، وتربك حسابات الشركاء الإقليميين.
لقد أثبتت الوقائع أن القوات المسلحة الجنوبية شكّلت عامل استقرار، وأسهمت بشكل مباشر في منع انهيار الجنوب وتحويله إلى ساحة نفوذ إيراني. وهي حقائق لا يمكن تجاوزها عند البحث عن أي تسوية عادلة أو مقاربة واقعية لإنهاء الصراع.
كما تكشف هذه الدعوات، بوضوح متزايد، حقيقة توجهات بعض القوى التي لا تتردد في تغيير مواقعها السياسية، بل والاستعداد للتماهي مع الحوثيين وإيران حين يتقاطع ذلك مع مصالحها الضيقة، ولو كان الثمن ضرب استقرار الجنوب وتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وتقويض أي أفق حقيقي لسلام عادل وشامل ومستدام.
في هذا السياق، لا يمكن النظر إلى الإجراءات العسكرية والأمنية والإدارية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرًا بمعزل عن تراكم طويل من الاختراقات ومحاولات الالتفاف على واقع الجنوب. فهي إجراءات فرضتها ضرورات حماية الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وقطع خطوط التهريب لصالح ميليشيات الحوثيين، وسد الثغرات التي استُخدمت مرارًا لإعادة إنتاج الفوضى، وليست خطوات تصعيدية كما يحاول البعض تصويرها.
إن أي مقاربة واقعية لإنهاء الصراع في اليمن والمنطقة لا يمكن أن تقوم على استهداف الجنوب أو تجاوز قضيته بتعريفات ملتبسة، بل تستلزم الاعتراف بالمعطيات الجيوسياسية القائمة، وبإرادة الفاعلين المحليين في الجنوب باعتبارهم عنصرًا لا يمكن تجاهله في أي تسوية مستقبلية. ويشير هذا المنظور إلى أن استقرار الجنوب والحفاظ على تماسكه الجغرافي لا يمثلان عائقًا أمام مسار السلام، بل يشكلان أحد متطلباته الأساسية، في ظل الترابط الوثيق بين الاستقرار المحلي والأمن الإقليمي.
وفي مواجهة هذا المسار، سيقف شعب الجنوب وقواته المسلحة صفًا واحدًا خلف قيادته السياسية، ممثلة بسيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، نحو استكمال مقتضيات الاستقلال الثاني، واستعادة وبناء دولة الجنوب العربي الفيدرالية المستقلة بحدودها الدولية المتعارف عليها. ولن يظل الجنوب رهينة لعجز قوى الشمال عن حسم معركتها مع ميليشيات الحوثيين، مع تمسكه الثابت بخيار الشراكة الاستراتيجية مع التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
(رئيس الهيئة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي)










