
الطفل "ثائر" البالغ من العمر عام واحد, سلبت منه الحرب اسمه و صحته وأمه وأباه أيضًا ؛ حيث ارتقى والده "قايد محمد طاهر" شهيدًا في معارك الساحل الغربي قبل عدة أيام، وأمه اصيبت بمرض السرطان ؛ بينما هي تتناول جرعات الكيماوي أصيبت بجائحة الكوليرا وفي الوقت الذي كان جسدها عاجز عن تحمل المرض كانت أسرتها عاجزة عن توفير قيمة العلاج وبعد صراع مرير مع المرض ؛ارتفعت روحها إلى بارئها تاركة أطفالها الثمانية , وزوجها يصارعون الحياة لوحدهم.
رحلت الأم ؛وأخذت معها الرحمة والحنان ؛ وهناك وجد الطفل "ثائر" نفسه داخل اسرة فقيرة عاجزة عن توفير أي شيء لأجله حتى حليب الأطفال كان سعره أكبر من إمكاناتهم؛ حتى نحل عظمه الصغير بعد إصابته بإسهالات حاده.
الفراق المرّ
محمد قائد والد الطفل "ثائر" خسر زوجته , وصحة أبنائه الذين كافح سنينًا من أجل حياتهم ؛ و بعد أن ضاقت الحياة بوجهه , وعجز عن توفير لقمة عيش كريم لأسرته وأطفاله ؛ عبّر عن قسوة الحياة بكل شيء حتى أسماء أولاده حيث يشير اسم " ثائر لغة ً إلى الغضب الشديد , وأيضا التمرّد , و عدم الاستسلام ، بحث والد ثائر عن فرص كثيرة من أجل العمل ؛ لكنه همش ومثله آلاف الشباب إبان حكم نظام صالح ، خاض غمار الحرب بشجاعة وشرف, وبعد الحرب انخرط في السلك العسكري في الضالع مثل غيره من الشباب , ثم انطلق مع رفاقه نحو جبهات الساحل الغربي ؛ قاتل وكله وجع فحال أسرته الصعب أثر على نفسيته داخل الجبهة , وهناك قاتل بكل شجاعة و شرف حتى سقط شهيدًا هنالك ، رحل وترك أطفاله يعانون قسوة الزمن , و تدهور الاقتصاد , وفساد الحكومة.
معاناة ثائر
بعد ضيق الحال ومرارة العيش في مديرية الأزارق غربيّ محافظة الضالع لم تجد معدة الطفل " ثائر" ما تهضمه سوى أحشائه ولحم جسده الهزيل التي أهلكها الجوع ؛ و هذه الصورة واضحة يمكن من خلالها التعرف على حياة " الثائر" داخل وطن ولّي زمامه لصوص , و فاسدون , جمعوا ثرواتهم من معاناة الناس وأوجاعهم غير آبهين بشيء , تاركين البلاد أمام وضع إنساني مخيف , واقتصاد صعب ؛ كانت مديرية الشهداء "الإزارق" أولى ضحاياه.
تعرض الطفل ذو العام الواحد "ثائر قائد محمد " لإسهال حاد ؛ حتى تطور الأمر إلى مجاعة حادة كادت أن تفتك بجسده الصغير ؛ حيث نقلته جدته إلى مستشفى النصر بالضالع , وتم ترقيده هنالك ؛ ليجد نفسه وحيدًا لم تقف معه سوى عجوز في العقد السادس من عمرها أكل الزمن منها وشرب ، تقف إلى جانبه تحاول إنعاش جسده الصغير ، من ويلات المرض والمجاعة ، يعاني أوجاع ليس له أي ذنب فيها سوى أنه ولد في زمن انتشرت فيه رائحة الموت , وطغت عن زهور الحياة.
الحرب خلّفت المجاعة
المجاعة لم تنهش أجساد الأطفال فقط ؛ بل تجاوزتهم لتصل إلى الأمهات ـــ خصوصا المرضعات منهن ــ فالأم التي تعاني المجاعة غير قادرة على إرضاع طفلها في الوقت الذي تعجز فيه الأسرة عن شراء حليب الأطفال ؛ بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار وهذا أحد أسباب المجاعة ؛ بحسب رأي الدكتور / جهاد الضالعيّ ؛الذي تحدث بقوله : المجاعة في الضالع موجودة منذ الحرب قبل حوالي ثلاث سنوات وكنا نستقبل عشرات الحالات يوميًا ؛ولكن زادت نسبة المرضى خلال هذه الفترة بسبب التدهور الاقتصادي , والارتفاع الجنوني في الأسعار.
ويضيف الدكتور جهاد: "ثائر" أحد الأطفال الذين استقبلهم المركز ؛حيث عانى من مجاعة حاده بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أسرته ــ خصوصًا بعد وفاة والدته قبل حوالي ستة أشهر ــ وصعقنا بخبر وفاة والده قبل حوالي أسبوع في جبهة الساحل الغربي مدافعًا عن الدين و الكرامة"?
وأضاف: "التدهور الاقتصادي في البلاد وضع الناس أمام حياة صعبة...المجاعة تنتشر, والمركز غير قادر على استقبال جميع الحالات الحرجة , والطاقم الطبي يبذل جهودًا طيبة من أجل إنقاذ حياة الناس ولكنّ الأوضاع الصعبة توحي بتدهور إنسانيّ مخيف"?
وختم حديثه بتوجيه مناشدة إلى المنظمات الدولية ,ومركز الملك سلمان و الهلال الأحمر الإماراتي إلى مد يد العون لأبناء الضالع ؛ فالحالات تصل بشكل يومي من أغلب مديريات المحافظة، مشيرًا أنّ حالات الناس لا تحتمل التأخير"?