
وضع سقوط قتلى في هجوم شنّه الحوثيون على سفينة شحن في البحر الأحمر الجماعة في موقف سياسي وإنساني محرج، وجعلهم في مواجهة رأي عام دولي شديد الامتعاض من تصرفاتهم، بشكل فاق توقّعاتهم من الهجوم الذي كانوا يسعون من ورائه لتحصيل دعاية إيجابية لهم لدى الرأي العام المحلي والعربي – الإسلامي عموما، على أساس أنّه جزء من دعمهم للفلسطينيين في قطاع غزّة.
وانتشل أفراد إنقاذ، الأربعاء، سبعة أحياء من أفراد طاقم ثاني سفينة شحن تغرق في البحر الأحمر في غضون يومين بسبب الهجوم الحوثي فيما تواصل البحث عن أربعة عشر آخرين ظلوا في عداد المفقودين.
وإزاء الموقف المحرج الذي وضع جماعة الحوثي في مواجهة تهمة قتل أبرياء وأرباب أسر عاملين في قطاع النقل البحري، اضطرت قيادتها إلى تبرير تصرّفها، معتبرة أنّه يتوافق مع المواثيق الدولية.
وذكر مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، أنّ جماعته ملتزمة بحرية الملاحة للجميع باستثناء إسرائيل ومن يدعمها في حربها على قطاع غزّة.
وقال في تصريح أوردته وكالة سبأ في نسختها التابعة لحكومة الحوثي غير المعترف بها دوليا “ليست لدينا أي رغبة في استهداف أحد لا علاقة له بدعم إسرائيل، وقد أنشأنا مركز عمليات إنسانيا للتنسيق مع شركات الملاحة حرصا منا على تجنب الضرر ما أمكن.”
وأضاف “على جميع شركات الملاحة الالتزام بتعليمات وقرارات قواتنا المسلحة، ومن يتجاهلها يتحمّل مسؤولية ذلك،” محذّرا من أنّ تلك القوات، التي وصفها بـ”المنضبطة”، “ستواصل عملياتها بهدف وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، وفقا للمواثيق الدولية.”
وقالت مصادر في شركات أمن تشارك في عمليات الإنقاذ إن أربعة من أصل خمسة وعشرين شخصا كانوا على متن سفينة الشحن إترنيتي سي لقوا حتفهم قبل أن يغادر باقي أفراد الطاقم السفينة التي غرقت صباح الأربعاء بعد تعرضها للهجوم يومي الاثنين والثلاثاء.
وأضافت المصادر أن البحارة السبعة الذين تم إنقاذهم قضوا أكثر من أربع وعشرين ساعة في المياه.
وجاء الهجوم على إترنيتي سي بعد أن أعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عن هجوم مماثل الأحد استهدف سفينة أخرى، هي ماجيك سيز التي تم إنقاذ جميع أفراد طاقمها قبل غرقها. وجدّدت مهاجمة السفينتين حملة شنها الحوثيون المتحالفون مع إيران والذين هاجموا أكثر من مئة سفينة بين 2023 وديسمبر 2024 فيما يقولون إنه تضامن مع الفلسطينيين، لكنهم أوقفوا حملتهم هذا العام.
وقال مسؤول في شركة ديابلوس لإدارة المخاطر البحرية ومقرها اليونان “سنواصل البحث عن بقية أفراد الطاقم حتى آخر لحظة.”
وكانت السفينتان اللتان تعرضتا للهجوم ترفعان علم ليبيريا وتديرهما شركتان يونانيتان.
وقالت مصادر في قطاع الأمن البحري إن إترنيتي سي تعرضت للهجوم لأول مرة بعد ظهر الاثنين بمسيرات بحرية وقذائف صاروخية أطلقتها زوارق سريعة من جانب من يشتبه بأنهم مسلحون من جماعة الحوثي. ودمرت الغارة قوارب النجاة في السفينة، وبحلول صباح الثلاثاء كانت قد انجرفت ومالت.
وأبلغ مصدران أمنيان وكالة رويترز بأن السفينة تعرضت للهجوم مرة أخرى بمسيرات بحرية مساء الثلاثاء، ما أجبر أفراد الطاقم والحراس المسلحين على تركها والقفز في المياه. وقال أحد المصادر إن الحوثيين مكثوا عند السفينة حتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء.
وأضاف المصدر أن هناك مخاوف من أن يكون الحوثيون قد اختطفوا بعض أفراد الطاقم الذين قفزوا في المياه. وكانت هناك قوارب صغيرة في المنطقة بينما كانت جهود الإنقاذ جارية.
ويتكون الطاقم من واحد وعشرين فلبينيا وروسي واحد. وكان على متن السفينة أيضا ثلاثة حراس مسلحين بينهم يوناني وهندي كان أحد الذين تم إنقاذهم.
وأثارت الحادثة امتعاضا دوليا واسعا ووضعت جماعة الحوثي مجدّدا في مرمى غضب قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة التي كانت قد أنهت في مايو الماضي حملة قصف جوّي للحوثيين بدأتها في منتصف مارس الماضي، على أساس أن تجنح الجماعة للتهدئة وتتجنب استهداف القوات الأميركية وحركة الملاحة البحرية.
وأدانت وزارة الخارجية الأميركية مقتل البحارة وقالت على لسان متحدثتها تامي بروس في بيان “تدين الولايات المتحدة الهجوم غير المبرر الذي شنه الحوثيون على سفينتي الشحن المدنيتين في البحر الأحمر.”
وأضافت أن الهجوم “أسفر عن خسارة مأساوية لأرواح بحارة، وإصابة العديد من الأشخاص الآخرين، والخسارة الكاملة للسفينة الأولى وحمولتها.”
وأكدت بروس أن “الهجمات تظهر التهديد المستمر الذي تشكله الجماعات الحوثية المدعومة من إيران على حرية الملاحة والأمن الاقتصادي والبحري الإقليمي.”
وذكرت أن بلادها ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حرية الملاحة والشحن التجاري من هجمات الحوثيين، “التي يجب أن تُدان من قبل جميع أعضاء المجتمع الدولي.”
ومن جانبها أدانت بريطانيا السلوك الحوثي وحذّرت من أن الهجمات على السفن باتت تشكل تهديدا غير مقبول للأمن البحري العالمي.
وقالت السفارة البريطانية لدى اليمن، في بيان صحفي، “ندين بشدة وبشكل قاطع الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على السفينتين في البحر الأحمر.”
واعتبر البيان أن “هذه الأفعال من قبل الحوثيين تعد انتهاكا واضحا للقانون الدولي وتشكل تهديدا غير مقبول للأمن البحري العالمي.”
وشدد البيان على التزام المملكة المتحدة بحماية حرية الملاحة، داعية جميع الشركاء الدوليين إلى إدانة هذه الأعمال التي لا يمكن تبريرها.