
في وطنٍ يئنّ من جراح الحرب وخيبات السياسة، يصبح احترام القانون وفرض النظام ضرورة وطنية لا ترفًا نخبويًا. لكن للأسف، هناك من لا يزال يعيش وهم "الاستثناء"، ويظن أن بطاقته التعريفية أو ماضيه السياسي تجعله فوق القانون، وفوق الوطن، وفوق رجال الأمن الذين يذودون عن هذا الشعب في ظروف عصيبة.
مقال القاضي عبدالوهاب قطران الأخير، والذي سرد فيه تجربته في العبور من صنعاء إلى عدن، بدا وكأنه رسالة وجدانية ظاهرها الحنين، وباطنها حملة تشويه واضحة ضد نقطة أمنية جنوبية أدّت واجبها بأمانة، فقط لأنها لم "تحنِ رأسها" أمام بطاقة قضائية، أو تُعامل صاحبها كزائر مكرّم من السماء.
لنضع الحقائق كما هي:
نقطة "بين الجبلين" في ردفان ليست وصمة كما ادّعى، بل صخرة في وجه الانفلات، وحصن من حصون الأمن في طريق استُبيحت فيه الأرواح مرارًا. تصفها بـ"الوقحة" لأنها فتّشتك؟ أتعجب ممن يسمي الرقابة والتفتيش عنجهية، بينما يتغاضى عن العنف والبطش ممن سجنه وهدد حياته لسنوات.
إذا كنت حاملاً لسلاح، ومسجلًا ضمن من صدرت بحقهم بلاغات أمنية، فليس من حقك أن تطالب باستقبالٍ أحمر مفروش لك ولأسرتك. الحصانة القضائية لا تبيح حمل السلاح في مناطق محرّرة تمر بحالة أمنية شديدة الحساسية، ولا تُلغي مسؤوليتك كمواطن أن تُخضع للتفتيش وتلتزم بالإجراءات.
فكيف تصف نقطة منضبطة بالقانون، وتقوم بعملها بحذر ومسؤولية، بأنها تُدار من خارج الوطن؟ أهذا هو المنطق القضائي؟ وهل صارت المؤسسات التي تحمي الناس تُرمى بالتخوين لأنها لم تفتح لك الطريق بابتسامة؟
ثم تتغنّى بعد ذلك بنقاط صنعاء بأنها "راقية" و"مهذبة"، في مفارقة مؤلمة، فالجهة التي سجنتك وأهانتك، تراها اليوم ملاذًا محترمًا، والجهة التي فتّشتك من باب واجبها الأمني، تهاجمها وتصفها بالبشاعة والانفصال!
أي ازدواج هذا؟ وأي ضمير تُخاطب به الرأي العام وأنت تنقلب على كل منطق؟
أما توصيفك للنقطة الأمنية بأنها "تشبه نقطة أبو هاشم" في البيضاء، فذلك تطاول فج، ومقارنة بائسة لا يصدقها من يعرف طبيعة ردفان ورجالها. هذه المنطقة التي قدّمت آلاف الشهداء لتحرير وطنك من المليشيا التي سجنتك، تستحق الاحترام، لا الاستهزاء.
الحقيقة كما هي:
نقطة "بين الجبلين" ليست نقطة قهر، بل نقطة ردع وما جرى لك ليس استهدافًا، بل إجراء ينفذه الضابط لكل من يمر، ولو كنت "من عدن" نفسها.
تشويه صورة النقطة لأنك لم تُعامَل كـ"VIP" يكشف عن عقلية نخبوية مريضة، لا عن حب للوطن.
ردفان ياسيدي القاضي ليست عبورًا جغرافيًا، بل عبور إلى الكرامة والسيادة.
نقطة "بين الجبلين" هي نقطة شرف، لا وصمة كيف لا وجنودها الأشاوس يتبعون القائد الهمام والسم الزعاف لكم ولأمثالكم العميد مختار النوبي الذي ما أن تسمعون بهذا الاسم حتى ينتابكم الخوف والتوجس .
ومن اعتاد الامتيازات فوق القانون، سيظل يشتكي حين يصطدم برجال لا يخافون في الله لومة لائم.
هذه البلاد دفعت الكثير لتحرير طريق عدن، ولا تقبل أن يأتي أحدهم من الشمال، حاملاً سلاحه، ومرفوع الهامة فوق النظام، ثم يشكو "العنجهية" لأنه طُبّق عليه ما يُطبَّق على غيره.
فالتحية لكل جندي وقف في الشمس، يفتش، ويسأل، ويحمي، ويُسيء إليه البعض لمجرد أنه لم يركع .


