الثلاثاء 20 مايو 2025 - الساعة:18:26:20
في الحادي والعشرين من مايو 1994 أعلن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض من مدينة المكلا قرار فك الارتباط بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، وذلك بعد أن شنّ نظام علي عبدالله صالح عدوانًا عسكريًا على الجنوب، ضاربًا عرض الحائط وثيقة العهد والاتفاق التي رعتها المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة الملك الحسين بن طلال في عمّان.
ومنذ اللحظة الأولى، صنّف نظام صنعاء هذه الحرب تحت مسمى (حرب الردة والانفصال) وهو توصيف يعكس الخلفية العقائدية التي تم تسويق العدوان بها، ليواجه الجنوب ليس فقط بغزو عسكري، بل بحملة تجريم وتكفير ممنهجة، لم تراعِ قيم الدين ولا حرمة الجوار ولا صلة القربى.
ولم يكن الصراع وليد لحظته، بل امتدادًا لعقود من التوتر بين مشروعين متناقضين: عدن المدنية المتسامحة، في مواجهة نظام تقليدي يتكئ على العصبية الدينية والقبلية. وكان ذلك اليوم محطة فارقة تعرّت فيها الشعارات القومية، التي انساق خلفها الجنوب يومًا بحسن نية وعاطفة، أملاً في وحدة مصير عربي واحتضان قضايا التحرر.
الجنوب، الذي احتضن بعد الاستقلال حركات النضال العربي – اليمنية والفلسطينية والظفارية – دفع ثمنًا باهظًا لمواقفه، لكنه قوبل بالغدر، وخصوصًا من الجار الشمالي. ومع ذلك، استمر في دعمه للفلسطيني، حتى جاءت صدمة الاجتياح في صيف 1994.
حينها، اجتاحت المجنزرات اليمنية أرض الجنوب، مدعومة بعناصر ما سُمّي بـ"الأفغان العرب"، تقصف البيوت وتكفّر السكان. فكان الجنوب أول أرض في العصر الحديث تُطلق ضدها فتوى تكفير جماعي، لتبرير النهب والتوسع، بغطاء ديني ومباركة من جماعات متشددة، وعلى رأسها الإخوان المسلمون.
وكان هدف الغزاة واضحًا: تصفية ما تبقى من مشروع الدولة المدنية، والانتقام من النظام الجنوبي الذي حظر الجماعات المتطرفة. ومع هذا الاجتياح، فُتح الباب أمام التنظيمات الإرهابية، فتحوّل الجنوب إلى ساحة نشاط للقاعدة، ومنطلقًا لهجماتها نحو العمق السعودي.
لكن المخطط لم ينجح كما أُريد له. ففي 1997 اندلعت انتفاضة المكلا، وتبعتها شرارة الحراك السلمي من ردفان في 2007، لتتشكل معالم نضال جنوبي جديد. وبرغم التهميش في المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار، ظل الجنوب متمسكًا بثوابته وحقه في استعادة دولته.
ثم جاءت عاصفة الحزم، لتعيد خلط الأوراق. فعاد الغزاة، عبر الحوثيين وحلفائهم، لغزو الجنوب، لكن هذه المرة كانت المقاومة أكثر تنظيمًا، وكان للأشقاء في الإمارات دور محوري في تحرير عدن وتطهير المحافظات من الإرهاب والميليشيات.
واليوم، في الذكرى الحادية والثلاثين لإعلان فك الارتباط، تفرض اللحظة على الجيل المعاصر أن يدرك أن المعركة لم تكن فقط لاستعادة حدود، بل لاستعادة الروح الجنوبية: المتسامحة، المتنورة، والرافضة للظلام.
الجنوب عبر التاريخ كان منارة فكرية وحضارية، ومهدًا للتعايش والتسامح. وعلى هذا الجيل أن يحمي هذا الإرث، من أفكار التكفير، ومن مشاريع القمع، وأن يواصل مسيرة بناء وطن لا يعرف الطغيان، ولا يساوم على الكرامة.
