آخر تحديث :الجمعة 17 مايو 2024 - الساعة:21:08:00
أهالي عدن يرحلون من وسط المدينة ليسكنوا أكواخ في الجبال.. وحدة "جبل الوحش" السكنية تفتقر لأبسط الخدمات المدنية (تقرير وصور)
(تقرير : علي محمود الهدياني)

 

عاش المجتمع العدني سنوات ما قبل الوحدة حياة هانئة عرف فيها المواطن العدني قيمة الإنسان في ظل حرية وعدالة اجتماعية ومواطنة متساوية,حيث كانت العاصمة عدن عنواناً للحضارة والثقافة والرقي وعنواناً للتمدن.

وما ان وصلت قطعان عصابات الموت القادمة من جبال صنعاء وكهوف صعدة والجوف وعمران حتى حولت عدن الى عاصمة منكوبة ترزح تحت وطأة احتلال اذاق ابناءها مرارة القهر والحرمان.

وانتشرت مليشيات الجهل والتخلف كالسرطان, فسلبت ونهبت وهجّرت أبناء عدن من بيوتهم ليجدوا انفسهم غرباء في مدينتهم التي ضاقت بهم ذرعاً واستغربتهم جنباتها التي عشقوها فلم يجدوا الا  الانسحاب  الى اعلى قمة جبل شمسان وجبل الوحش في كريتر، وهناك استقر بهم الحال التعيس بعد ان ضيقت عليهم دولة القمع والارهاب الخناق، وأجبرتهم ان يتخذوا من جبل الوحش وشمسان ملاذاً بنوا فيها اكواخ شوهت المظهر الجمالي لمدينة عدن.

"الأمناء" في هذا التقرير الميداني، تسلط الضوء على الوضع الانساني المتردي الذي يعيشه اهالي عدن في وحدة "جبل الوحش" السكنية، وتغوص في تفاصيل حياة الغلابى، وتنقل من خلف كواليس المدينة، صورا لمأساّة لم يعتدها الجنوبيون.

متاهــة الأزقّــة

انطلقنا من شارع الميدان صوب الجبل حيث كان دخولنا في أزقة متاهة لها بداية وليس لها نهاية ,تاهت بنا الدروب  بين اكواخ مبنية من الخشب وغرف صغيرة تم بنائها من بقايا مواد بناء مستهلكة.

وبين تلك الاكواخ مررنا عبر متاهة الازقة الضيقة المترعة بطفح المجاري, وبين منعطف واّخر شاهدنا أطفال قتلت براءة الطفولة في أعماقهم وعلت وجوههم ابتسامة كاسفة حزينة.

ولا يجد الاطفال في وحدة جبل الوحش السكنية، متسع للّعب واللهو البريء, فوجود ملعب او ارض مستوية في تلك البقعة ضرب من المستحيل، فاتخذوا من سقوف البيوت الصغيرة متنزهات لهم، معرضين حياتهم للخطر المحتم، بسبب ضيق مساحات بيوتهم المتواضعة، والمسقوفة بعضها بالزنج "مصفحات حديدية".

حياة مفعمة بالوجع

وفي أعلى قمة جبل الوحش التقينا اناس يقطنون "اكواخ", هؤلاء الناس يعيشون حياة مفعمة بالوجع, فالوصول الى حيث يقطنون اشبه بمغامرة الى جبال (الهيمالايا) ناهيك عن انعدام ابسط متطلبات الحياة, فلا ماء ولا كهربا بل ان الصخور المتساقطة من الجبل تمثل موت محقق ينتظره ساكني تلك البيوت بين الفينة والأخرى.

 وهنالك التقت "الأمناء" ببعض من ساكني وحدة جبل الوحش السكنية، متحدثين إليها بنبرة حزينة اوجزوا من خلال حديثهم المقتضب حالهم البائس وقصة حياتهم المطوية بصمت في دنيا الاسى والحرمان.

ويقول الحاج "فريد محمد عبدالستار، احد ساكني المنطقة، ببؤسٍ قائلاً " لقد لجأنا الى الجبل بعد ان وجدنا انفسنا في الشارع لا نملك حتى موطئ قدم, وبعد ان كبر العيال اصبحنا في سجن في بيوتنا ولهذا اتجهنا الى الجبل وتركنا البر والبحر لعتاولة صنعاء، الذين اتوا من كهوف جبالهم وقبائلهم، فاكلوا الاخضر واليابس".

ويواصل الحاج فريد حديثه بتساؤل يحمل في طياته حالة اليأس التي أثقلت صدور هؤلاء المساكين: "اين نروح أصبحنا غرباء في بلادنا حتى القبور في عدن اعتقد بايجي يوم ما نحصل مكان نقتبر فيه".

منتظرون للموت

أما المواطن "أحمد علي" فهو الآخر، بعد سؤالنا له عن الحال، أجابنا قوله: "عايشين هنا منتظرين الموت في أي لحظة , الصخور تتساقط من فوقنا والزواحف والقطط والكلاب عايشه معنا وفوق هذا كله كل شي نوصله الى هنا محمولاً على ظهورنا" وواصل احمد علي " لنا الله ,الطهوش اخذوا كل شيء ,نهبوا البر والبحر ,حتى بيوتنا استولوا عليها واخذوها بالقوة"

كما التقينا بعض من الشباب فكان حديثهم مزيج من المعاناة والاحباط, علاء ناظم تحدث الينا قائلاً " تركنا عدن للسرق والمتنفذين, واتجهنا نحو الجبل نشتي نعيش بسلام , لكنهم لم يدعونا نعيش ..وواصل ساخراً "بالله وين عاد يشتونا نروح"؟!

ابتسامة ثورية

وفي ختام جولتنا هذه، تفاجئنا ابتسامة ثورية تلقيتها أعيننا من كل من "واصل سالم" و"رامز فؤاد"، حيث قابلونا بها، وأثناء الحديث طلبوا منا أن نلتقط لهم  صور برفقة العلم الجنوبي" رمز دولتهم، التي قالوا أن الأمل معقود بعودتها، التي ستعيد لهم كرامتهم التي سلبها هؤلاء القادمون من خلف التاريخ، حسب قولهم.

وفي سياق حديثنا، يقول: واصل، وزميله رامز، بانهم رغم حياة البؤس والمعاناة، إلا انهم سعيدون ومتفائلون, خصوصاً مع تولي اللواء عيدروس الزبيدي والعميد شلال شائع قيادة العاصمة عدن، حد قولهم.

وأما نحن فلم نشعر إلا بمساحة الوقت تطوى سريعاً، لنغادر جبل الوحش، حاملين همه وهم أهله بهذه الجولة العابرة، على امل ان نعود اليها ذات يوم  وقد تغير حال قاطنيها لاسيما والحال قد تغير والغزاة قد رحلوا رحيلاً أبدياً..

 

 



شارك برأيك