
أعلنت وزارة الداخلية العراقية، في إنجاز أمني واستخباراتي نوعي، عن كشف وتفكيك واحد من أكبر مصانع تصنيع مادة الكبتاغون المخدرة في الشرق الأوسط.
وهذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا التعاون الاستخباري الوثيق بين المديرية العامة لشؤون المخدرات العراقية والمديرية العامة لأمن الدولة في لبنان، وهو ما يؤكد الدور المحوري للعراق في مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وقالت الوزارة، في بيان نشرته على صفحتها على فيسبوك ليل الاثنين/الثلاثاء إن "التعاون الأمني والاستخباري الوثيق بين وزارة الداخلية العراقية والمديرية العامة لأمن الدولة في لبنان أثمر عن تحقيق تمثل بكشف وتفكيك واحد من أكبر مصانع تصنيع مادة الكبتاغون في منطقة البقاع اللبنانية".
وأضاف البيان أن "هذا الإنجاز جاء على خلفية معلومات دقيقة زودت بها الأجهزة العراقية نظيرتها اللبنانية، مما مكن الجيش اللبناني في منتصف يوليو الماضي من تنفيذ عملية واسعة أسفرت عن ضبط المصنع وإحباط كميات ضخمة من المواد المخدرة المعدة للتصنيع والترويج، في ضربة وصفت بأنها الأقوى ضد شبكات الكبتاغون في الشرق الأوسط".
وتأتي هذه العملية في سياق تصاعد ظاهرة تهريب وتصنيع المخدرات في المنطقة، وخاصة مخدر الكبتاغون، وكان هذا المخدر، الذي يتم تصنيعه في لبنان أيضًا، أكبر صادرات سوريا إبان الحرب التي اندلعت عام 2011.
وشكّل بيع هذه المادة المنشطة وغير القانونية مصدرا أساسيًا لتمويل حكومة الرئيس السابق بشار الأسد. تكمن خطورة الكبتاغون في سهولة تصنيعه وتكاليفه المنخفضة، مما جعله ينتشر بشكل واسع، خاصة بين الشباب، ويهدد استقرار المجتمعات ويغذي شبكات الجريمة المنظمة.
وأكدت المديرية العامة لأمن الدولة في لبنان، في كتاب رسمي موجه إلى وزارة الداخلية العراقية، أن هذا التعاون الاستخباري "يعكس متانة العلاقة بين البلدين، ويجسد الدور الريادي للعراق في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، وفي مقدمتها آفة المخدرات التي تعد الخطر الأكبر على الأمن المجتمعي العربي".
لطالما كانت منطقة البقاع اللبنانية نقطة ساخنة لشبكات تصنيع المخدرات، نظرا لطبيعتها الجغرافية المعقدة ووجود مناطق خارجة عن سيطرة الدولة بشكل كامل.
وبحسب وسائل إعلام لبنانية، يلاحق الجيش على مدى الأسابيع الماضية تجار المخدرات ولا سيما في البقاع وعلى الحدود اللبنانية - السورية.
وقد ارتفعت وتيرة الملاحقات، بعد توافر معلومات أمنية عن إنشاء معامل لإنتاج المخدرات وعلى رأسها الكبتاغون.
وأشار تقرير لصحيفة النهار اللبنانية إلى أن الملاحقات الأمنية نشطت في بقاع تغطي 43 في المئة من مساحة لبنان، وأن الجيش اللبناني ومديرية المخابرات أوقفا 450 مطلوبا خلال 4 سنوات بجرائم تجارة المخدرات والسرقة والتهريب والتزوير. وتؤكد هذه الأرقام حجم التحدي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية في لبنان.
ولا يمثل تفكيك هذا المصنع مجرد إحباط لكمية من المخدرات، بل هو ضربة قوية للشبكة المالية التي تمول هذه العمليات. ويبرز هذا النجاح الأهمية المتزايدة للتعاون الاستخباراتي الإقليمي في مواجهة التهديدات المشتركة، ويؤكد أن لا حدود للجهود الأمنية عندما تتكاتف الدول لمحاربة الأخطار التي تهدد أمنها واستقرارها.
وعلى الصعيد الداخلي، وسعت القوات العراقية منذ مطلع العام الحالي، عمليات ملاحقة تجار المخدرات والمتعاطين، في خطوة حظيت بدعم شعبي واسع، في ظل الانعكاسات السلبية الكبيرة للظاهرة التي رفعت نسب الجريمة المنظمة والتهديدات الأمنية في مناطق مختلفة من البلاد.
ويضع تحول العراق من بلد عبور للمخدرات إلى مستهلك لها، على عاتق الأجهزة الأمنية مسؤولية مضاعفة، ويرسل هذا الإنجاز النوعي في لبنان رسالة واضحة بأن العراق لم يعد يكتفي بالدفاع عن حدوده، بل أصبح شريكا استراتيجيا فاعلا في استئصال جذور هذه الآفة من منبعها، كما يعزز هذا الدور الجديد من مكانة العراق الإقليمية، ويؤكد التزامه بالأمن الجماعي في المنطقة.