
جاء محتوى وثيقة نشرها حلف قبائل حضرموت الذي برز بشكل لافت كقوّة قبلية منظمة بإحكام وممثلة بشكل وازن على أرض المحافظة الكبيرة مساحة والغنية بالموارد الطبيعية متجاوزا لما يوحي به عنوانها باتّجاه التأسيس لدولة قائمة الذات وواسعة الصلاحيات ومهيأة لإعلان استقلالها حين تحين اللحظة المناسبة وإذا رأى القائمون عليها ضرورة لذلك في وقت لاحق.
وستمثّل الوثيقة التي حملت عنوان “وثيقة المبادئ السياسية للحكم الذاتي” بذلك قادحا للمزيد من الخلافات القائمة أصلا والصراعات الدائرة على المحافظة ذات القيمة الاستراتيجية العالية والتي تدور إلى حدّ الآن بشكل رئيسي بين حلف القبائل الذي يقوده عمرو بن حبريش والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي العضو في مجلس القيادة الرئاسي اليمني، والحامل لمشروع إقامة دولة الجنوب المستقلة والتي يُعتبر انتزاع حضرموت من جغرافيتها بمثابة وأد لها في مهدها ما يفسّر الاعتراض الشديد من قبل المجلس على مشاريع الحلف القبلي بما في الأقل شأنا من مشروعه للحكم الذاتي على غرار موقف الانتقالي الرافض بشدّة لفكرة إنشاء قوة عسكرية سعى الحلف لإنشائها تحت مسمّى قوات حماية حضرموت.
ولاح ارتفاع مستوى الطموح لدى قيادة حلف قبائل حضرموت من خلال الخطاب المرافق لإعلان الوثيقة التي وصفها الفريق المكلّف بإعدادها مع سائر الوثائق الأخرى المتعلة بالحكم الذاتي بأنّها المنطلق الفعلي لـ”المسار السياسي السلمي لتمكين حضرموت من إدارة شؤونها بإرادة أبنائها واستعادة قرارها الوطني بعيدا عن موروثات التبعية والإقصاء والتهميش”، مجدّدا التأكيد على “أن الحكم الذاتي هو صيغة راشدة لتمكين الشعب الحضرمي من تقرير مصيره التنموي والإداري وبناء نموذج عادل يحترم كرامة الإنسان ويصون خصوصية الأرض والهوية.”
◄ تحكم بالثروة ودستور وعلم ونشيد وطني، وارتباط اختياري وندي بالدولة اليمنية في العملة والدفاع والسياسة الخارجية
ولاحت ملامح الدولة منذ البداية ومن خلال استخدام مصطلحات من قبيل الوطني للتعبير عن هوية حضرمية وطنية متمايزة عن الهوية اليمنية الجامعة فضلا عن الحديث عن وجود شعب لحضرموت مختلف عن شعب اليمن كما يرد في أدبيات أنصار استمرار الجمهورية اليمنية بشكلها الحالي، ومتمايز عن شعب الجنوب وفقا لتوصيفات المجلس الانتقالي الجنوبي.
كما وصف الفريق محتوى “وثيقة المبادئ السياسية للحكم الذاتي” بأنّه “مشروع جامع لتطلعات أبناء حضرموت، وقاعدة تأسيسية لمستقبل حضرموت السياسي والاقتصادي والتنموي،” داعيا “كافة الحضارم بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسة للمشاركة في تطويرها وتشكيل اصطفاف وطني حضرمي واسع خلفها”، معتبرا “أن إعلان الوثيقة يعد الخطوة الأولى نحو عقد اجتماعي حضرمي جديد يعيد القرار لأهله.”
ومما ورد في محتوى الوثيقة من عناصر الطموح الواسع إشارة أحد بنودها إلى “نظام حكم ذاتي حضرمي مستقل له إرادة حرة وسيادة يمتلك صلاحيات كاملة للحكم والإدارة عبر تبني نظام الهياكل المتوازنة للمعادلة بين المسؤولية والمساءلة وإنشاء مؤسسات التشريع والقضاء والرقابة والمساءلة وإنفاذ القانون وتحقيق الشفافية ومنع الفساد بهدف الوصول لمجتمع تسوده العدالة والتنمية والكفاءة وحكم القانون.”
وفي تحديدها لمبادئ الحكم الذاتي الحضرمي أشارت الوثيقة إلى وجوب أن “تتمتع حضرموت بكامل الصلاحيات السيادية على أرضها وثروتها ومواطنيها وحقها في أن يكون لها دستورها وعلمها ونشيدها الوطني ومجلسها التشريعي وقوانينها وقضائها وبرامجها التنموية والاقتصادية والمالية والأمنية وكافة المؤسسات الضرورية لذلك.”
وعرّفت الوثيقة حضرموت باعتبارها “وطن الحضارم من هم على أرضها أو في المهاجر، وهي الهوية الأصيلة والتاريخ الممتد والثقافة الفريدة”، ونصّت على أن تتمسك المحافظة “بقيم العروبة والإسلام والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية والحداثة”، وأن تحكم “بأحكام وقيم ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء وبالوسائل الديمقراطية الحديثة وبقواعد الحكم الرشيد من شفافية ومساءلة وحريات وحكم القانون.”
ونص أحد البنود على انفتاح حضرموت “على الشراكة الندية والعادلة والدخول في اتفاقيات لمصلحة شعبها مع كل جوارها مع الاحتفاظ بسيادتها الكاملة”، ونص بند آخر على إيمانها “بالسلام والتنمية والتعاون مع الجميع ورفض كل أشكال الإرهاب والتطرف واستخدام القوة في فرض أي نظام سياسي.”
وبشأن الحدود نص بند في الوثيقة على التزام حضرموت بـ”الحفاظ على الحدود المشتركة مع جيرانها والتنسيق معهم ضمن إستراتيجية أمنية شاملة بما يخدم الجميع.”
وفي ما يتعلّق بالاقتصاد نصت الوثيقة على أن يسعى الحكم الذاتي المنشود إلى بناء “اقتصاد وطني حر مستدام ومتوازن يحقق العدالة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي لكافة المواطنين ويصون حقوق الأفراد والمجتمع ويضمن فرصا متساوية للجميع ويشجع الاستثمار والإبداع والابتكار وريادة الأعمال ويؤمّن حماية الملكية الخاصة والقيم الاجتماعية التي تكفل حقوق جميع فئات الشعب وتوفر بيئة عادلة تضمن حياة كريمة للجميع.”
وكان لافتا توصيف الارتباط الذي قد تحافظ عليه حضرموت مع الدولة اليمنية التي ستتحوّل في حال تأسيس حكم ذاتي في المحافظة إلى دولة فيدرالية أو اتحادية بأنّه سيكون على سبيل “التنازل” ما يعني ضمنا أن المسألة اختيارية، حيث جاء في أحد البنود أنّ “تنازل حضرموت عن أي من صلاحياتها للدولة كالعملة والتمثيل الخارجي والدفاع الوطني، هو بغرض إدارة المصالح المشتركة مع المشاركة الفعالة والندية في المؤسسات التي تنشئها الدولة وفق معايير المساحة والسكان ونسبة المساهمة في الموازنات العامةلا وتكون هذه المعايير هي المعتمدة في جميع مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية والمؤسسات الدفاعية والأمنية والتمثيل الدبلوماسي في الخارج. وتبقى كل هذه المؤسسات تحت المساءلة عبر الوسائل المشروعة في حالة مخالفة هذه المعايير أو الإخلال بها.
