
عادت الأوبئة القاتلة لتهدد حياة السكان في اليمن في ظل حالة من شبه انهيار منظومة الرعاية الصحية الناجم عن ضعف القدرات المادية واللوجستية للسلطات سواء منها الشرعية المعترف بها دوليا أو الموازية التي يقودها الحوثيون وهو وضع ازداد تعقيدا جرّاء تراجع الدعم الدولي لقطاعات حساسة ذات صلة بحياة الناس نتيجة شحّ التمويل.
وما يضاعف من خطورة تفشي الأوبئة في اليمن أنّه يأتي في غمرة مجموعة من المؤشرات السلبية ذات الصلة بصحة السكان وجودة حياتهم بما في ذلك مؤشرات العيش في بيئة سليمة والوصول إلى مياه نظيفة صالحة للشرب والحصول على أغذية مناسبة وبكميات كافية، وهي جميعها أمور لم تعد متاحة لأعداد كبيرة من سكّان البلاد وفقا لتقارير دولية وأممية موثّقة.
وأعلن مسؤول صحي يمني، الاثنين، عن تسجيل حالات وفاة اشتباه بالإصابة بمرض الكوليرا في محافظة تعز جنوب غرب البلاد، منذ مطلع العام الجاري.
771
مرفقا صحيا باتت معرضة لخطر الإغلاق الوشيك، ما يعني فقدان نقاط الرعاية الوحيدة للكثير من المجتمعات المحرومة
ويأتي ذلك في وقت تتحدّث فيه مصادر محلية في عدّة مناطق يمنية عن وجود حالات إصابة ووفاة بالمرض أكثر بكثير من مما يتمّ إحصاؤه بشكل رسمي، كون تلك الحالات تطال مناطق أخرى خارج تغطية الرقابة الصحية للسلطة الشرعية وغير مشمولة بإحصاءاتها ويقع بعضها ضمن نطاق سلطة الحوثيين الذين عادة ما يلجأون إلى التكتم عمّا يجري في مناطقهم لمنع حدوث فزع بين سكانها وأيضا لتجنّب الدعاية السلبية ضدّهم.
وقال مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة بتعز، تيسير السامعي، لوكالة الأنباء الألمانية، إن السلطات الصحية رصدت خمس حالات وفاة بمرض الكوليرا في المحافظة الأكثر سكانا باليمن منذ مطلع العام 2025.
وأضاف السامعي أنه تم رصد 1734 حالة يشتبه إصابتها بالمرض في المحافظة خلال الفترة نفسها بينها 116 حالة مؤكدة مخبريا.
ونبه إلى أن المؤشرات الوبائية الحالية تدعو للقلق نتيجة استمرار تصاعد عدد الحالات في المحافظة.
وأشار إلى أن أزمة المياه الحادة في تعز وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين من بين الأسباب الرئيسية لانتشار المرض.
تيسير السامعي: المؤشرات الوبائية القائمة حاليا تدعو إلى القلق
ودعا المتحدث الطبي المواطنين إلى ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية لحماية أنفسهم من هذا المرض الفتاك.
وتعد تعز أكثر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان وتنقسم جغرافيا بين سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا من جهة، ومن جهة أخرى سيطرة جماعة الحوثي التي تحاصر مركزها من معظم المنافذ التي تصل المحافظة بالمناطق المجاورة ما يخلق صعوبات للسكان في التنقل وممارسة أنشطتهم الحياتية اليومية وحتى الحصول على بعض المواد الضرورية.
ويعاني القطاع الصحي في اليمن تدهورا حادا جراء تداعيات الحرب المستمرة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ أكثر من 10 سنوات. كما يعاني هذا القطاع من نقص حاد في التمويل أدى إلى توقف العديد من البرامج الطبية، ما جعل معظم سكان اليمن في حاجة إلى مساعدات صحية، وفقا لتقارير أممية.
وكان صندوق الأمم المتحدة للسكان قد حذّر مؤخرا من تداعيات كارثية على النظام الصحي في اليمن بسبب النقص الحاد في التمويل، في وقت أعلنت فيه منظمة أطباء بلا حدود عن وقف أنشطتها الطبية بالكامل في كل من مأرب، وأيضا في تعز التي تظهر الأرقام تسارعا واضحا في انتشار وباء الكوليرا بين سكانها.
وأشار الصندوق في تقرير له إلى أن الأزمة الحالية تعرض 6.9 مليون شخص لخطر فقدان الرعاية الصحية الأساسية، ما يتركهم عرضة للأمراض والأوبئة التي يمكن الوقاية منها وعلاجها.
وذكر أن 771 مرفقا صحيا باتت معرضة لخطر الإغلاق الوشيك، ما يعني فقدان نقاط الرعاية الوحيدة للكثير من المجتمعات المحرومة، وتفاقم الضغط على المرافق المتبقية.
وتشمل التهديدات الحافة باليمنيين جرّاء تراجع الدعم المادي لبلدهم أيضا مجال الغذاء اللصيق بالصحة العامة للسكان، حيث حذّر برنامج الأغذية العالمي في تقريره له حول حالة الأمن الغذائي في اليمن لشهر مايو الماضي من أن نحو 5 ملايين شخص في البلد مهددون بفقدان المساعدات الغذائية المنقذة للحياة، نتيجة النقص الحاد في التمويلات الإنسانية.
