آخر تحديث :الاحد 11 مايو 2025 - الساعة:13:47:41
تعز: صراع النفوذ يعرقل تنفيذ الأحكام القضائية في مجموعة الشيباني… ومدير الأمن يتحدى قرارات الدولة
(الأمناء نت/ خاص:)

تشهد مجموعة شركات أحمد عبد الله الشيباني، إحدى أعرق الكيانات الاقتصادية في محافظة تعز، أزمة قانونية وإدارية متفاقمة منذ ديسمبر 2022، بسبب صراع عائلي اتخذ أبعادًا أمنية وقضائية خطيرة، وسط تجاهل مستمر للأحكام القضائية الباتّة، وتعطيل متعمّد لتوجيهات رئاسة الحكومة، ورفض صريح من قبل مدير أمن تعز لتنفيذ القرارات الملزمة قانونًا.

اقتحام مسلح دون سند قانوني

تعود بداية الأحداث إلى تاريخ 5 ديسمبر 2022، عندما اقتحمت مجاميع مسلحة مقار شركات مجموعة الشيباني في مدينة تعز دون أي أوامر قضائية أو تنفيذية من الجهات المختصة. قاد عملية الاقتحام عبدالكريم أحمد الشيباني، أحد أبناء المؤسس، وتم توثيق ذلك بمقطع فيديو انتشر حينها، يظهر فيه عبدالكريم وهو يقود عملية السيطرة على مقرات الشركة بالقوة.

وبعد الاقتحام، سعى الطرف المقتحم إلى الحصول على غطاء قانوني عبر تقديم "أمر على عريضة" للمحكمة التجارية، لكن المحكمة الابتدائية ألغت هذا الأمر لاحقًا، وساندتها المحكمة الاستئنافية التجارية بتأييد الحكم، مؤكدة أن كل ما بُني على ذلك الأمر باطل قانونًا.

أحكام وتوجيهات لم تُنفذ

على إثر تلك الأحداث، صدرت توجيهات من دولة رئيس الوزراء في مارس 2023 إلى وزارة الصناعة والتجارة تطالبها بتصويب أوضاع الشركات بما يتوافق مع القانون. كما أصدرت السلطات التنفيذية المختلفة، بالإضافة إلى النائب العام، توجيهات صريحة بفتح تحقيق عاجل في واقعة الاقتحام ومحاسبة المتورطين، إلا أن تنفيذ هذه التوجيهات تعثر بشكل غريب، ما أثار تساؤلات حول وجود تدخلات نافذة حالت دون فرض القانون.

وفي نوفمبر 2023، وبعد رفع التظلمات إلى رئاسة الوزراء وإحالة الملف إلى لجنة الشؤون العدلية، صدرت توجيهات جديدة من رئيس الحكومة بسرعة استكمال إجراءات تصحيح الوضع القانوني، وتم بموجب ذلك تمكين الإدارة الشرعية، برئاسة أبو بكر أحمد عبد الله الشيباني، من الدخول إلى مقرات الشركات لفترة قصيرة. غير أن التدخلات المتكررة من بعض النافذين حالت دون استعادة الاستقرار، حيث تعرضت الشركات مرة أخرى لاقتحامات بحماية شخصيات أمنية رفيعة، من بينها قائد القوات الخاصة حينها، بحسب ما أظهره تسجيل مصور.

القضاء الإداري يحسم النزاع

في ظل تعثر تنفيذ القرارات، فُرض على الإدارة التنفيذية مغادرة الشركات مجددًا تحت ذريعة الدخول في "تسوية أسرية ودية"، إلا أن هذه التسوية لم تتم، ولم يلتزم الوسطاء بتعهداتهم، ما دفع رئيس مجلس الإدارة، أبو بكر الشيباني، إلى اللجوء للقضاء الإداري.

وصدر لاحقًا حكم قضائي عن المحكمة الإدارية يقضي ببطلان إجراءات وزارة الصناعة والتجارة، التي عدّلت مجلس إدارة الشركة بصورة غير قانونية، وحكمت المحكمة بإلغاء تلك القرارات وإلزام الوزارة بتصويب أوضاعها وفقًا للقانون. وقد امتثلت الوزارة لهذا الحكم، وأصدرت مذكرات رسمية بتنفيذه، كما تلقت دعمًا مباشرًا من رئاسة مجلس القيادة الرئاسي بضرورة احترام وتنفيذ الأحكام القضائية.

تعنت أمني يعيق التنفيذ

رغم صدور المذكرات التنفيذية، قام محافظ محافظة تعز بدوره القانوني، وأصدر توجيهاته الواضحة بتنفيذ الأحكام، غير أن مدير أمن المحافظة امتنع عن التنفيذ، بل وأرسل تعزيزات أمنية لمنع الإدارة الشرعية من دخول مقرات الشركات. استخدم مدير الأمن أمرًا ابتدائيًا بوقف التنفيذ كمبرر، رغم أن محكمة الاستئناف في عدن ألغت ذلك الأمر وأكدت انتهاء صلاحية المحكمة الابتدائية في هذا الشأن.

وتجدر الإشارة إلى أن القضية التي صدر بشأنها الحكم القضائي كانت بين وزارة الصناعة والتجارة من جهة، وأبو بكر الشيباني بصفته رئيسًا لمجلس الإدارة من جهة أخرى، بينما حاول عبدالكريم الشيباني – الذي يزعم أحقيته بإدارة الشركات – التدخل كطرف ثالث، لكن المحكمة رفضت طلبه، ما يسقط عنه أي صفة قانونية في هذا النزاع.

تزوير سجلات من صنعاء ومحاولة السطو

المثير في القضية أن عبدالكريم الشيباني، الذي سبق أن أُخرج من المجموعة العائلية رسميًا وتم منحه حصته من التركة، عاد لاحقًا محاولًا فرض نفسه مجددًا عبر استخدام سجلات تجارية مستخرجة من مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها "محاولة سطو موثقة ومخالفة للقانون"، تهدف إلى شرعنة السيطرة بالقوة على ممتلكات ليست من حقه.

تضليل الرأي العام وقلب للحقائق

من الملفت أيضًا أن بعض الأطراف تحاول تصوير القضية على أنها "خلاف بين الأب وأحد أبنائه"، في محاولة لتبرير الاعتداءات والاقتحامات. إلا أن الوثائق تؤكد أن الحاج أحمد عبد الله الشيباني – وقد تجاوز سن المائة – لم يعد يتمتع بالأهلية القانونية الكاملة لإدارة أي شؤون تجارية، وأن جميع الصلاحيات منحت سابقًا وبشكل رسمي لابنه أبو بكر، الذي يمثل الإدارة الشرعية وفقًا للقانون والأنظمة الداخلية للمجموعة.

وأخيرًا، يبقى السؤال الكبير: كيف تستمر هذه الفوضى رغم وجود أحكام قضائية باتة تؤكد شرعية الإدارة الحالية بقيادة أبو بكر الشيباني، وصدور قرارات وزارية وتوجيهات صريحة من رئيس الحكومة تُلزم بتصحيح الأوضاع؟ إنّ استمرار التعطيل من قبل مدير أمن تعز، ورفضه تنفيذ تلك التوجيهات، يشكّل تحديًا صارخًا لسلطة الدولة ومؤسساتها. في المقابل، يعود عبدالكريم الشيباني—الذي سبق استبعاده ومنحه حصته من التركة—ليفرض نفسه مجددًا عبر نفوذ غير مشروع، مستغلًا سجلات تجارية صادرة من مناطق خاضعة للحوثيين، في محاولة مكشوفة للسطو على الشركات. أما الادعاء بأن القضية خلاف بين الأب وابنه، فهو تضليل مفضوح للرأي العام يراد به التغطية على جريمة منظمة هدفها الاستيلاء على ممتلكات خاصة بالقوة وخارج إطار القانون.




شارك برأيك