آخر تحديث :الجمعة 29 مارس 2024 - الساعة:05:51:21
التعليم في اليمن: لماذا تحمل حقيبة، احمل سلاحا
(الامناء/العرب: )

ألقت الحرب المستعرة في اليمن منذ نحو سبع سنوات بظلالها على الوضع العام في البلاد، وكانت القطاعات الحيوية والخدمية في مرمى تأثيراتها الأشد خطورة، وفي مقدمتها قطاع التعليم.

وكان قطاع التعليم يضم أكثر من 4 ملايين طالب، وفق تقديرات غير رسمية، إضافة إلى النسبة الأكبر من موظفي الدولة، ما بين مدرّسين وعاملين في الإدارات التعليمية المركزية وعلى مستوى المحافظات.

وتفاقمت الأمور إثر الانقسام في إدارة العملية التربوية، بين الحكومة الشرعية وسلطة الحوثيين، الذين يحكمون سيطرتهم على المحافظات الأكبر كثافة سكانية، ونزوح الآلاف من المدرسين وعشرات الآلاف من الطلاب من مناطقهم إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، لاسيما محافظة مأرب، التي تكتظ بالنازحين، ما ضاعف العبء هناك.

تحديات متشابكة

ضرب انصراف الآلاف من المدرسين إلى البحث عن مصادر للعيش، إثر انقطاع الراتب، التعليم. وضاعف المأساة لجوء أعداد كبيرة من الطلاب، الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة والأشد فقرا، إلى البحث عن مصادر للعيش، جراء تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي بسبب الحرب.

وتتهم منظمات محلية وأخرى دولية جماعة الحوثي باستقطاب طلاب المدارس إلى جبهات القتال، من خلال التجنيد، إذ امتلأت جدران بعض المدارس بصور الضحايا من الطلاب الذين تم تجنيدهم.

وأكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أن قطاع التعليم في اليمن يعاني من تحديات متشابكة، خصوصا في ظل التدمير المنهجي الذي تمارسه ميليشيا الحوثي للمؤسسات التعليمية، منذ انقلابها وسيطرتها على مؤسسات الدولة.

وقال خلال مشاركته الاثنين في قمة التعليم “الدائرة المستديرة” ضمن قمة التحول التعليمي المنعقدة في الأمم المتحدة في نيويورك الأميركية، إن “قطاع التعليم كان في قلب القطاعات التي طالتها الآثار المدمرة للانقلاب الحوثي، خصوصا في مراحله الأساسية، وبالأخص منه تعليم الفتيات”.

وأوضح العليمي أن ميليشيا الحوثي أنهت بسبب ممارساتها التدميرية لقطاع التعليم، المكاسب النسبية التي تحققت على مدى عقود لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين الجنسين، والمحاولات الحكومية المستمرة لتهيئة فرص أفضل للفتيات باعتبارهن أكثر الشرائح المجتمعية عرضة للتسرب والحرمان من الحقوق الأساسية في التعليم، وخاصة في المناطق الريفية من البلاد، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”.

وذكر العليمي أن أبرز تلك التحديات التي يعانيها التعليم في اليمن على صلة بكيفية الوصول إلى المئات من الأطفال، علاوة على الآلية الممكنة لحماية الأطفال الذين تجندهم الميليشيا في أعمالها الحربية العدائية.

وتطرق إلى الدورات العقائدية الطائفية والدينية المتطرفة التي تعقدها ميليشيا الحوثي للطلاب، لغسل أدمغتهم وتسخيرهم في حربها ضد اليمنيين، إضافة إلى ممارسات وقيود أخرى تستهدف الحد من التحاق الفتيات بكافة المستويات التعليمية، وبالأخص منها التعليم الجامعي.

ويتداخل في اليمن التعليم والصراع، وهذا الوضع ليس بجديد، بل يعود في الواقع إلى ما قبل الحرب الراهنة التي اندلعت في العام 2014، والتي ساهمت في تفاقم المشكلة بشكل كبير. حاليا، يسهم القطاع التعليمي في الإبقاء على الانقسام الاجتماعي، لأنه تفكّك منذ بداية الحرب وغرق تماما في التحزّب والبروباغندا، وبات الأفرقاء المتناحرون يغيّرون المضمون وطبيعة التدريس في الصفوف بما يتماشى مع أيديولوجياتهم الدينية والسياسية. وتحوّلت المدارس في مختلف أنحاء اليمن، لأسباب متعددة، إلى مراكز لتلقين الأيديولوجيا، حيث يتلقّى الطلاب الذين ما زالوا يرتادونها تعليما يهيّئهم في معظم الأحيان للالتحاق بصفوف أحد الفصائل المسلحة، وإن لم يتولّوا بالضرورة أدوارا قتالية. وتتجلى هذه الظاهرة على وجه الخصوص في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الحوثيين.

وقال العليمي إن “تحقيق الفرص المتكافئة ودعم الفتيات في المؤسسات التربوية في بلادنا يبدو اليوم أحد أهم تحدياتنا الإنسانية والخدمية على الإطلاق، حيث باتت الملايين من الفتيات والفتيان خارج المدرسة عرضة لكافة أشكال الانتهاكات، بسبب هذه الحرب والأزمة التي صنعتها ميليشيا الحوثي”.

وأضاف “لكم أن تتخيلوا حجم التدهور الكبير الذي ضرب مؤسساتنا التعليمية والخدمية برمتها، وضمان حق التعليم المجاني للجميع الذي كان اليمن يطمح إليه منذ العام 2007. عندما ألغت الحكومة الرسوم المدرسية المفروضة على الفتيات في الصفوف الأولى، والتقدم نحو توسيع هذه الإستراتيجية ليشمل إلغاء الرسوم الدراسية عن جميع الفتيات والفتيان في الصفوف المتقدمة، إلا أن ذلك لم يتم نتيجة ظروف الحرب الراهنة”.

كما نوه بأن الحكومة حينها كانت بدأت بتنفيذ خطط إضافية ساهمت في تعزيز تعليم الفتيات في المناطق الريفية، وتأمين الحصص الغذائية للعائلات المشروطة بإبقاء فتياتهن في مدارس التعليم الأساسي، واعتماد نظام المنح المدرسية، وتشجيع المشاركة المجتمعية في زيادة وصول الفتيات إلى التعليم بشكل كبير.

وتطرق إلى الدور المميز الذي اضطلعت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” والشركاء الإقليميون والدوليون في دعم خطة التعليم الانتقالية، التي تضع في عين الاعتبار أن التعليم مكفول للجميع، وأنه يأتي فوق كافة الاعتبارات السياسية والمصالح الضيقة.

وأكد العليمي على توجيهاته للحكومة بدراسة مشروع إدخال نظام التعليم العام عن بعد بالتنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، كأحد الحلول الممكنة لإبقاء فتيات وفتيان اليمن في سلك التعليم، وتجاوز بعض المشاكل المرتبطة بهذا المجال.

عسكرة التعليم

أفضى تسييس التعليم إلى العسكرة في اليمن، ولا تزال الخلافات السياسية والدينية تعبّر عن نفسها في السرديات المحلية المتضاربة، لكنها باتت تتجلّى بصورة أكثر حدّية في ساحات المعارك. فعند التدقيق في الدوافع التي تحرّك المقاتلين اليوم، يتبيّن أن التلقين العقائدي الذي تلقّوه في المدارس أو المؤسسات غير النظامية هو من أهمّها. فهذا النوع من التعليم يغرس قناعات أيديولوجية متصلّبة لدى الطلاب الذين يتخرّجون، من دون العثور على وظائف في سوق العمل. ونتيجة لذلك، ينضم عدد كبير منهم إلى الجناح السياسي أو المسلّح للحزب الذي يدير المدرسة التي تخرّجوا منها، ما يحوّل التعليم إلى حلقة مفرغة، وفق بحث نشره مركز كارينغي.

وعلاوة على ذلك، تسببت الحرب في تهشيم قطاع التعليم الحكومي في اليمن. فالقطاع الذي لم يكن قويا أصلا، بل غالبا ما تعرض للضغوط من أفرقاء محليين نافذين، بات يتخبط الآن في حالة من الفوضى العارمة. وقد تضررت المئات من المدارس كليا أو جزئيا بسبب الهجمات.

وورد في تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” في العام 2018 أن أكثر من 2.500 مدرسة أصبحت خارج الخدمة كليا، وقد أقفلت 27 في المئة منها أبوابها، وتكبدت 66 في المئة أضرارا، واستُخدمت 7 في المئة كملاجئ للنازحين أو صادرتها الميليشيات لغاياتها الخاصة.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، تم الإعلان عن مشاريع في القطاع التعليمي من خلال ترميم بعض المدارس التي تضررت من جرّاء القصف.

لكن عددا كبيرا من السكان المحليين اعتبر هذه المشاريع مجرد دعاية لا أكثر، ولاسيما أن معظم هذه المدارس لا تزال تعاني نقصا في الكوادر البشرية والمعدات الضرورية التي دمّر القصف جزءا كبيرا منها ولم يجر استبداله، في ظل التوقف الكامل عن بناء مدارس في مختلف أنحاء اليمن منذ العام 2011.

واقع الحال أن الأضرار التي ألحقتها الحرب بالطلاب ضخمة جدا. وقد أدّى الوضع الاقتصادي المتردّي إلى إحجام الكثير من الأهل عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، إذ باتوا لا يستطيعون تحمّل تكاليف النقل أو حتى القرطاسية، ناهيك عن أن بعضهم اضطر إلى تشغيل أطفالهم من أجل توفير مدخول إضافي هم بأمسّ الحاجة إليه.

وفي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، واجه الأهل عبئا إضافيا تمثّل في تكاليف التعليم، إذ حوّل الحوثيون عددا من المدارس العامة إلى مؤسسات شبه خاصة.

ووفقا لتقرير صادر عن اليونيسف في فبراير 2021، يحتاج أكثر من 8 ملايين طفل يمني إلى دعم تعليمي طارئ، أي أنهم بحاجة إلى “مجموعة من المشاريع التي تضمن استمرار التعلّم المنظّم في حالات الطوارئ أو الأزمات أو اللا استقرار طويل الأمد”. فعدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس يبلغ المليونين، ما يشكّل زيادة بنسبة 120 في المئة منذ العام 2015، عندما كان عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس يلامس عتبة الـ900000 . لكن بعض الدراسات المحلية تتحدّث عن رقم أعلى يقارب 3 ملايين طفل. ونظرا إلى أن 70 في المئة من سكان البلاد يقيمون في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون، يُعتبر وقع المأساة هناك أكبر، إذ إن الحوثيين أنفسهم ذكروا أن 400000 طفل يضافون سنويا إلى قائمة الأميين.

أما الفصل الآخر من فصول الكارثة التعليمية في اليمن فيطال المعلمين اليمنيين الذين تعرّضوا إلى أعمال تخويف وعنف على أيدي الفصائل المسلحة، بما في ذلك مداهمة المدارس. لكن المشكلة الأكثر شيوعا تتمثّل في عدم انتظام دفع رواتبهم، وهو ما وصفته اليونيسف بأنه “أحد أكبر التحديات” التي تواجه قطاع التعليم في اليمن، والتي تدفع عددا متزايدا من المعلمين إلى التوقف عن التدريس، الأمر الذي يعرّض حوالى 4 ملايين طفل لخطر حرمانهم من فرصة التعليم بسبب انخفاض عدد المعلمين.

يشار إلى أن المناطق الخاضعة للحوثيين تواجه أزمة أكبر، إذ يقطن فيها أكثر من 170.000 معلم، أي ثلثي العدد التقديري للمعلمين في اليمن. ولم يتقاض هؤلاء المعلمون رواتبهم الشهرية بشكل منتظم منذ حوالي أربع سنوات، علما أن وكالات الإغاثة الدولية تدخلّت في بعض الأحيان لدفع رواتبهم.

وقد توقف الكثير منهم عن التدريس بحثا عن سبل أخرى لتأمين لقمة العيش وإعالة أسرهم. ويعتبر استبدالهم في غاية الصعوبة، إذ إن غياب برامج تدريب مستدامة للمعلمين، باستثناء عدد قليل تديره وكالات دولية مختارة عاملة في اليمن، سيبقي عدد المعلمين الجدد المؤهلين متدنيا.



شارك برأيك