آخر تحديث :الجمعة 26 ابريل 2024 - الساعة:11:22:03
المعلم بين مطرقة الحرب وسندان الضروف الصعبة
(الامناء/خاص:)

كتب : عادل حمران

كانت طوابير السيارات طويلة تكاد ان تخنق الطريق الرابطة بين خور مكسر و المعلاء كلا منتظر دوره لدخول المحطة لتعبئة البنزين، مررت بصعوبة من طوابير السيارات وامام جولة إدارة الأمن رمقت بجانب الطريق رجل خمسيني نحيف الجسد وطويل القامة يرتدي سروال اسود وشميز رمادي وفي يده حقيبة سوداء وبجانبها ملف أبيض، اشار نحو سيارتي بخجل وحين وقفت قال لي بوقار لو سمحت معك الى المعلا، قلت له تفضل.

وبينما نحن في الطريق قال لي الحياة باتت صعبة وكل يوم والوضع يتأزم اكثر، قلت له صحيح ربنا يصلح الحال، ويعين الموظف وكنت اعتقده معلم من هندامه و حقيبته السوداء قال لي بصوت هادئ مليئ بالانكسار بعد ان وضع حقيبته على صدره انا بيني وبينك معلم، اسمي الاستاذ فؤاد خالد(اسم مستعار) انا هنا منذ نصف ساعة منتظر اي حد يوصلنا معه لانه مافيش معي قيمة المواصلات الى القلوعة والتي وصلت الى 700 ريال يمني، (نصف دولار تقريبا)، قلت له ربنا يعينك يا استاذ انا وقفت لك حين اعتقدتك استاذ فمن المخجل ان امشي من امام معلم دون ان اعيره اهتمامي.


صمت قليلا ثم استرسل رواتبنا لم تعد تكفي قيمة الراشان، راتبي يا اخي لم يعد يساوي كيس أرز ناهيك عن بقية متطلبات الحياة الاخرى، قبل الحرب كان راتبي 63 الف ريال اي ما يعادل 300 دولار أمريكي اليوم بات راتبي بلا قيمة، ولم يعد يساوي خمسين دولار شهريًا، وضع المعلم في اليمن بات صعبا للغاية وباتت بطوننا خاوية واولادنا يعانون من المجاعة، واصبحت عاجز عن اطعام أولادي وخصوصا بعد وفاة والدتهم قبل حوالي شهرين ضاقت الحياة كثيرا في وجهي واغلقت آخر امالنا في الحياة الكريمة.


وضع الاستاذ فؤاد كتفه الايمن على نافذة السيارة واخرج رأسه نحو الشارع وتنهد من قاع قلبه وقال حياتي واسرتي باتت صعبة للغاية وكل يوم هموم الحياة تتضاعف في قلبي اذهب الى المدرسة وانا شارد الذهن ومشتت وكل همي توفير لقمة عيش لأطفالي، اصبحت عاجز عن تعليم طلابي وفي كل حصه ادخل شارد الذهن وفوق رأسي جملة من الالتزامات والمشاكل التي لا يعلمها طلابي فقط يلاحظون تغير في تعاملي معهم وفي طريقة تحضيري للدروس، لكنهم لا يدركون بان حياة المعلم صعبة و قاسية للغاية. 

 اكتملت الطريق عند وصولنا الشارع الرئيسي في المعلا لكنها لم تنتهي معاناة الاستاذ فؤاد، نزل وشكرني على المشوار، لكنه تركني امام سيل من الهموم لما يعانيه مربين الاجيال وحاملين رسالة الانبياء في وطني، وخصوصا مع الانهيار الاقتصادي المخيف الذي وضع المعلمين أمام خيارات صعبة، وباتوا عاجزين عن اطعام اطفالهم و توفير متطلبات الحياة الضرورية مما اضطر آلاف المعلمين الى ترك المدارس والبحث عن اعمال بديلة لمهنة التعليم التي باتت لا تأمن من خوف ولا تطعم من جوع، وبات المعلمين يقضون حياتهم في اسواق القات و الاسواق الشعبية وعدد كبير منهم انخرطوا في قوات الجيش والأمن ليس حبا في الوطن ولكن هروبا من الفقر.


وهذا ما اكده التقرير الذي نشره "المركز اليمني لسياسات" "حيث أفاد بوجود 3.7 مليون طفل في سن المدرسة قد تسربوا من التعليم أو تحت تهديد التسرب. وبالنسبة إلى المدارس، فلا يعمل منها إلا ثلثاها، إذ تعرضت مبانٍ مدرسية كثيرة للتدمير والخراب، واستخدِمت لأغراض عسكرية أو تحوّلت إلى ملاجئ للنازحين. أما المدارس التي لازالت مبانيها سليمة، فإن الطاقم التعليمي المدرب فيها غالبا ما يتركون العمل، إن لم يكونوا قد تركوه من وقت سابق". والمحزن في الامر بانه ليس هناك بصيص أمل قادم من اجل تحسين وضع التعليم او تخفيف معاناة المعلم، فالاوضاع في اليمن تتجه نحو المجهول ولا حلول في الافق قادرة على صناعة واقع جديد لمستقبل الطلبة ومعيشة المعلمين.


ووفقا للتقارير المحلية و الدولية والارقام المهولة للمجاعة وتدهور مستوى التعليم فقد بات من الصعب على طلاب المدارس تطبيق الاجراءات الصحية لمجابهة فيروس كورونا المتحور بنسخته الثالثة سوى ايقاف الطلاب وحرمانهم من التعليم، 
فالطالب الذي لا يملك حقيبة وزي مدرسي لا يمكن الزامة بشراء كمامات و مواد تنظيف ومعقمات وغيرها والصفوف التي مزقتها الحرب وباتت فصول الدراسة ضيقة مقارنة بالزيادة الكبيرة في اعداد الطلاب عاجزة عن تطبيق التباعد الإجتماعي، ومن الصعب مكافحة كورونا في بلد عجز عن اشباع بطون اطفاله، ويملك نظام صحي هش وفيه يموت 5 اطفال بكل ساعة بسبب سوء التغذية.







شارك برأيك