آخر تحديث :الخميس 30 مايو 2024 - الساعة:21:33:45
عصيان البؤس فضيلة
منى تركي

الخميس 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

عاما عن عام و في عدن، أكتاف الرجال تبدو لي أكثر انحناء، وجوهم شاحبة، أجسادهم نحيلة و عيونهم حالكة كما لم تكن من قبل، كأنهم يموتون ذلا ببطء، ببؤس رهيب !

ليس من السهل على الإطلاق أن يعمد الناس إلى تعطيل حياتهم جزئيا هروبا من اليأس، بعد أن تجلى لهم أن استمرار عجلة الحياة على هكذا نحو لم و لن يخدم تقدمهم كمجتمع، بل يصب دائما في صالح نظام الاحتلال بمتنفذيه كمتحكم غير شرعي في السياسات و الإدارة، و على الأغلب فإن تلك السياسات و الإدارات تحرص على شكلية الحركة الإنتاجية لاستجلاب الشرعية لا أكثر، في حين أن جوهر تلك الحركة لا ينتج سوى تقهقر بطيء تنتحر به المجتمعات إن هي صمتت.

و طالما أن هكذا تعطيل هو إنكار في المقام الأول لشرعية الكيانات و الأنظمة المعصيّ أمرها، و في المقام التالي شكل من الاحتجاج و الرفض الذي دائما ما يؤدي إلى فرض إرادة الشارع إن أحُسنت إدارته، فإنه يستمر في استقطاب المسحوقين الذين يتكبدون خسائر آنية إلا أنهم يدركون أن الاستمرار في ذلك النمط القهري من الحياة المفرغة سيعود عليهم بخسائر على الأمد الطويل قد ينتهي معها وجودهم الحضاري ماديا و معنويا.

و في الأصل فإن جريمة تلك القوى الحاكمة الباسطة سطوتها بالحروب هي النخر في تماسك المجتمعات بالفتن و الفساد و إفشاء الفقر و الإفقار و الجهل و التجهيل محيلة إياها إلى بؤر ضخمة من الظلم و الهلاك، و بذالك فإن جرائم القتل و الاعتقال لم تشكل سوى شرارة أشعلت بها تلك القوى الحريق في نفسها اليابس عودها من جراء ما أشاعت في الأرض الفساد.

و من باب التواضع بثت القنوات الرسمية مؤخرا تقارير حول معاناة المواطنين و شكاواهم في تغيير لم يكتمل باستهدافها العصيان دون غيره، فإعداد تقرير حول تدهور التعليم أمر مستحسن، و يا ليت العصيان انفجر قبلا إن كنتم ستتنبهون به إلى احتضار التعليم، إلا أن يلام شباب لم ينشط إلا بعد فبراير الماضي على فساد نزع عن التعليم جدواه طوال 18 عاما خلت، فهذا استغفال غير متقن لعقول الناس و استغلال غير مجدي لآمالهم.

خاصة بعد أن دحرت الأمم المتحدة دعاوى المشككين من جدواه، فبشهادتها العصيان مدني بمعنى شعبي و سلمي الأمر الذي يوجب على سلطات صنعاء التعاطي مع مطالبه و يصنف قمعه على أنه جريمة في حق مقاومة شعبية.

بهذا فقد أصبح من المهم بالقدر نفسه لاستمرار العصيان أن يدفع الجميع نحو تجاوز الأخطاء التنظيمية و الاختلالات، فالهدف من حركة العصيان ليس إيقاف التبادل التجاري و التعليم و المعاملات .. الخ، بقدر ما هو رفض لتدهور مستواها يسعى نحو الرقي بها و تطويرها، و بعدها هو احتجاج على استمرار التقتيل و التنكيل و ضياع الحقوق، و هذا كله من مسؤولية كل فرد منّا و لن ينجح إلا بوعي و مشاركة أغلب شرائح المجتمع.

كما أن الحديث عن لا نظامية العصيان تنظيرا لم يعد أمرا مقبولا، فمن الطبيعي جدا في ظل واقع في الشارع يطغى عليه صبية الأحياء الفقيرة و العشوائية وضحايا الثانويات السائبة و الذين يترفع المنظرون عن الأخذ بيدهم و توعيتهم و تنظيمهم، خاصة و أنكم تتوقعون المثالية من صبية فتحوا أعينهم على الجوع و الدم. هم يحتاجونكم حضرة المثقفين المتحفظين، يحتاجون توعيتكم، لا تنظيركم الذي لا يفهمونه !

و يبقى الغضب في تصاعد، فلا كهرباء و لا إنترنت و الماء نكاد نعدمه، فأي واجب يبقى علينا تجاهك من سلطات !

عصيان صنعاء فضيلة.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل