
- ما أبرز الحلول العاجلة لمواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية من دول القرن الإفريقي إلى المحافظات الساحلية لليمن ؟
- شبوة الساحلية باتت محطة عبور رئيسية على "الطريق الشرقي" للهجرة من دول القرن الإفريقي نحو الخليج
- 92 قتيلًا وعشرات المفقودين حصيلة غرق قارب مكتظ بالمهاجرين - في طريقهم لشبوة - قبالة سواحل أبين
- لقي 49 من المهاجرين الأفارقة حتفهم وفُقد نحو 140 آخرين بعد انقلاب قارب كان يقلهم قبالة سواحل شبوة
- العميد النسي : الشريط الساحلي بطول 300 كيلومتر وضعف الإمكانيات سهّلا الدخول غير القانوني للمهاجرين الإفارقة
- مسؤولون محليون : شبوة لا تتلقى أي دعم دولي أو إقليمي لمواجهة موجات الهجرة الإفريقية غير الشرعية
في السنوات الأخيرة، تصاعدت وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر جنوب اليمن، لتتجه الأنظار نحو محافظة شبوة الساحلية التي باتت، وبشكل متسارع، محطة عبور رئيسية على "الطريق الشرقي" للهجرة من دول القرن الإفريقي نحو الخليج. يمتد هذا الطريق عبر مساحات شاسعة من السواحل المفتوحة، ويصنّف من قبل المنظمة الدولية للهجرة كأحد أخطر مسارات الهجرة في العالم، نظرًا لما يحمله من مخاطر الغرق والموت جوعًا أو عطشًا في عرض البحر.
الموقع الجغرافي الفريد لشبوة وشبكات التهريب :
ويرى مسؤولون محليون وخبراء أن الموقع الجغرافي الفريد لشبوة، القريب من القرن الإفريقي والمطل على شريط ساحلي بين عن 220–300 كيلومترًا، ومعظمه مناطق غير مأهولة، جعلها هدفًا مفضلًا لشبكات التهريب، في ظل ضعف الرقابة البحرية. ووسط هذا المشهد، تتداخل التداعيات الإنسانية مع مخاطر أمنية واجتماعية وخدمية متنامية، مهددة بتحويل جنوب اليمن إلى بؤرة دائمة لتهريب البشر ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
الحوادث الأخيرة على خط الهجرة :
في 3 أغسطس، هزّت محافظة أبين المجاورة لشبوة مأساة إنسانية جديدة عندما غرق قارب مكتظ بالمهاجرين غير الشرعيين قبالة سواحلها. كانت التقارير الأولية تشير إلى عشرات الضحايا، لكن الأرقام أخذت في الارتفاع مع تواصل عمليات البحث. وبحسب مصادر أمنية لوكالة "رويترز"، ارتفع عدد القتلى إلى 86 شخصًا، قبل أن يعلن مدير مكتب الصحة في أبين لاحقًا أن الحصيلة بلغت 92 قتيلًا، فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين.
وبينما كانت الأنظار متجهة إلى مأساة أبين، شهدت شبوة حادثة منفصلة في 5 أغسطس، حين أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن وصول قارب يقل 250 مهاجرًا إثيوبيًا إلى سواحل عرقة بمديرية رضوم. إلا أن الرحلة كانت مأساوية هي الأخرى؛ فقد قضى سبعة من الركاب جوعًا وعطشًا بعد تعطل محرك القارب في عرض البحر. روى الناجون أنهم قضوا أسبوعًا كاملًا وسط المياه، يعتمدون على الرياح والتجديف البدائي للوصول إلى اليابسة.
وفي حادثة مأساوية أخرى سابقة في يونيو 2024، لقي ما لا يقل عن 49 من المهاجرين الأفارقة حتفهم، فيما فُقد نحو 140 آخرين، بعد انقلاب قارب كان يقل 260 مهاجرًا قبالة سواحل شبوة. وبحسب مكتب الصحة في شبوة، تم انتشال 45 جثة في الساعات الأولى، بينهم 27 امرأة، فيما أُنقذ أربعة أشخاص بحالة حرجة. وشارك خفر السواحل التابع للحكومة المعترف بها دوليًا، إلى جانب فرق من المنظمة الدولية للهجرة، في عمليات البحث والإنقاذ التي رجّحت ارتفاع عدد الضحايا.
شبوة كمحطة عبور رئيسية :
في تصريح لمركز سوث24، أشار العميد فؤاد النسي، مدير أمن محافظة شبوة، إلى أن الشريط الساحلي للمحافظة يمتد لنحو 300 كيلومتر، وهو ما يسمح للمهاجرين بالوصول عبره بسهولة من سواحل دول القرن الإفريقي. ويضيف أن "ضعف الإمكانيات المتاحة أسهم في تقليص قدرات الرقابة على السواحل، ما سهّل عمليات الدخول غير القانوني".
وفي هذا الصدد، قال د. شيخ بانافع، مدير مكتب محافظ شبوة، لمركز سوث24 إن هناك عدة أسباب تجعل من المحافظة وجهة مفضلة لشبكات التهريب، أبرزها "القرب الجغرافي من القرن الإفريقي، وطبيعتها الساحلية المفتوحة، معظمها مناطق غير مأهولة، ما يسهل على قوارب التهريب الوصول إلى شواطئها دون رقابة".
يتفق مع هذا الطرح الصحفي فريد باراس، الذي يرى أن شبوة "تمثل بوابة عبور نحو محافظات أخرى أو باتجاه دول الخليج، خاصة السعودية". ويشير إلى أن ضعف الرقابة على بعض المنافذ الحدودية والساحلية يجعلها عرضة لهذه التدفقات البشرية.
وتؤكد البيانات الرسمية التي حصل عليها مركز سوث24 حجم الظاهرة؛ فمنذ بداية عام 2025 وحتى نهاية يوليو، وصل إلى شبوة نحو 8208 مهاجرين أفارقة، بينهم 6719 مهاجرًا إثيوبيًا و1489 مهاجرًا صوماليًا.
هذه الأرقام تضع المحافظة في قلب "الطريق الشرقي" للهجرة، الذي تصفه المنظمة الدولية للهجرة بأنه أحد أخطر المسارات في العالم، وقد شهد وفاة أو اختفاء أكثر من 350 مهاجرًا منذ مطلع العام. وفي تصريح حديث، حذر رئيس بعثة المنظمة في اليمن عبدالستار عيسويف من أن "المآسي ستستمر مع سلوك المهاجرين طرقًا بحرية أكثر خطورة".
معاناة إنسانية :
رغم أن المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة في شبوة تبدأ من لحظة ركوبهم قوارب التهريب عبر بحر العرب، إلا أن معاناتهم لا تتوقف عند الشواطئ. ففي سبتمبر 2024، شهدت المحافظة حادثة بارزة حين نفذت قوات الأمن عملية مشتركة حررت خلالها 30 مهاجرًا إثيوبيًا من قبضة عصابة تنتمي إلى نفس جنسيتهم، بعد أن احتجزتهم في منزل قرب مفرق الصعيد بمدينة عتق.
وبحسب بيان مكتب إعلام محافظة شبوة، فإن العصابة المكوّنة من أربعة مهاجرين غير نظاميين كانت تستهدف مواطنين إثيوبيين آخرين، مطالبة بفدية وصلت إلى 3,000 ريال سعودي (نحو 800 دولار) للفرد، مع ممارسة التعذيب بحق الضحايا خلال فترة احتجازهم.
هذه الحادثة لم تكن معزولة عن سياق أوسع، إذ وثّق فيلم قصير نشره مركز سوث24 قبل أسابيع من الواقعة معاناة المهاجرين الأفارقة في شبوة، مسلطًا الضوء على عمليات اتجار بالبشر نفذها مهاجرون أفارقة ورجال محليون، استهدفت خصوصًا النساء والفتيات من الجنسية الإثيوبية. ورغم أن المركز لم يتمكن من التحقق المستقل من جميع الشهادات، فإنه دعا السلطات الأمنية إلى التحقيق ومواجهة هذه الممارسات.
التحديات ونقص الدعم :
رغم خطورة الموقف وحجم التدفقات البشرية نحو شبوة، يؤكد المسؤولون المحليون أن المحافظة لا تتلقى أي دعم دولي أو إقليمي مخصص لمواجهة هذه الظاهرة، وتعتمد فقط على إمكانياتها المحدودة.
يوضح العميد فؤاد النسي، مدير أمن محافظة شبوة، أن الأجهزة الأمنية لا تحصل على أي دعم لمواجهة الهجرة غير الشرعية، مشددًا على أن الحد من الظاهرة يتطلب "تزويد المحافظة بتقنيات حديثة لرصد الحدود، وتعزيز قدرات خفر السواحل للرقابة وتأمين الشريط الساحلي، إلى جانب تنفيذ حملات توعية مجتمعية مستمرة بمخاطر الهجرة غير الشرعية".
ويضيف د. شيخ بانافع أن السلطة المحلية "لا تمتلك حتى اللحظة أي برامج دعم دولية أو إقليمية مخصصة لهذا الملف، وتعتمد فقط على إمكانياتها المحدودة". ويؤكد أن "حجم التدفق البشري يفوق كثيرًا القدرات المتاحة".
ويشير بانافع إلى أن من أبرز التحديات "غياب دور قوات خفر السواحل نتيجة التدمير الذي طال البنية الأمنية الساحلية، ما جعل الشريط الساحلي مكشوفًا بالكامل". ويضيف إلى ذلك "نقص الإمكانيات المالية واللوجستية، وضعف التنسيق المؤسسي بين الجهات المعنية أحيانًا".
أما الخبير الاجتماعي ناصر لشرم، فيشدد لمركز سوث24 على أن الحل لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يتطلب "مزيدًا من الدعم المالي والتقني من الحكومة المركزية والمجتمع الدولي، بالإضافة إلى برامج لخلق فرص عمل مستدامة للمواطنين".
التداعيات على الأمن والمجتمع :
لا تقتصر أزمة الهجرة غير الشرعية في شبوة على المآسي الإنسانية في البحر، بل تمتد لتلقي بظلالها الثقيلة على المجتمع المحلي، محدثة آثارًا أمنية واجتماعية وخدمية متراكمة.
يشير د.شيخ بانافع إلى أن تدفق المهاجرين ارتبط بارتفاع معدلات السرقات، والشجارات، وجرائم العنف، خصوصًا في الأحياء التي تشهد كثافة من المهاجرين.
مضيفًا أن مدنًا مثل عتق، عاصمة المحافظة، تعاني من ضغط سكاني متزايد يؤدي إلى احتكاكات بين السكان المحليين والمهاجرين. لافتًا إلى أن هذا الازدحام ينعكس على جودة الحياة، ويتسبب في "ارتفاع أسعار الإيجارات، نظرًا لزيادة الطلب".
كما أكد العميد فؤاد النسي أن هذه الظاهرة أدت إلى تصاعد التوترات الأمنية وانتشار الظواهر الإجرامية، فضلًا عن زيادة الضغط على الخدمات الصحية وتدهور الأوضاع الاجتماعية.
حلول مقترحة :
تجد محافظة شبوة نفسها عالقة في قلب أزمة عابرة للحدود، تتداخل فيها الجوانب الإنسانية مع الأبعاد الأمنية والاجتماعية والخدمية. فمن جهة، تتعامل السلطات المحلية مع إنقاذ الضحايا وتقديم المساعدات العاجلة للناجين، ومن جهة أخرى تواجه تبعات أمنية واقتصادية متزايدة، وكل ذلك بإمكانيات شبه معدومة وغياب شبه كامل للدعم الدولي أو الإقليمي المخصص.
يرى الصحفي فريد باراس أن هذه المعضلة "لا يمكن القضاء عليها تمامًا في الظروف الحالية، لكن يمكن الحد من آثارها"، مشددًا على ضرورة أن يشمل التدخل حزمة متكاملة من الإجراءات الأمنية والتنموية.
ويتفق معه باقي المتحدثين في أن الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا، يتضمن:
* تعزيز القدرات الأمنية والرقابية عبر تزويد خفر السواحل والمنافذ الحدودية بالتقنيات والمعدات الحديثة.
* تنمية البنية التحتية الخدمية لمواجهة الضغط على المرافق الصحية والمياه والكهرباء.
* تنفيذ برامج توعية مجتمعية حول مخاطر الهجرة غير الشرعية.
* إطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية توفر فرص عمل بديلة، تحد من استغلال السكان المحليين في شبكات التهريب.
* توسيع نطاق التعاون الدولي والإقليمي لتشمل الدعم المادي والفني والتدريب المتخصص.
وفي ظل استمرار المآسي على الطريق الشرقي للهجرة، يحذر الخبراء من أن تجاهل الأزمة قد يحول جنوب اليمن، وفي مقدمته شبوة، إلى بؤرة دائمة لتهريب البشر، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة ومستدامة تنسق بين الأمن والتنمية وتضع حياة الإنسان في صدارة الأولويات .