
- تحرك حكومي عاجل لإنقاذ عدن من الظلام.. هل تنجح توجيهات "بن بريك"؟
- رشاد العليمي في مرمى الاتهام.. هل يتعمّد خنق عدن كهربائياً؟
- كهرباء عدن.. بين فشل الدولة وابتزاز سياسي يخنق المواطنين
- عدن مدينة النور سابقاً.. تحترق اليوم بنيران فساد الحكومات
- امرأة ثمانينية توثّق مأساة عدن: “لم أرَ انقطاعاً كهذا في حياتي”
- من مدينة النور إلى مدينة الأشباح.. كيف وصلت عدن إلى هذا الحال؟
عدن . . المدينة التي لا تنام !!
الأمناء / تقرير - غازي العلوي :
في ظل تصاعد أزمة الكهرباء في العاصمة عدن، تتكثف التحركات الحكومية برئاسة رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك، في محاولة لإنقاذ المدينة من الانقطاعات الطويلة التي باتت تهدد حياة المواطنين ومعيشتهم. فهل تنجح هذه الجهود في تخفيف المعاناة أم تبقى مجرد وعود على الورق؟
كابوس الظلام.. شهادات من قلب المعاناة
"معاناة لا تطاق".. بهذه العبارة عبّرت امرأة مسنّة تجاوزت الثمانين من عمرها، عن الوضع المأساوي الذي تعيشه عدن، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لنحو 20 ساعة يومياً. تقول "أم محمد"، التي عاشت كل حياتها في عدن:
"لم أشهد في حياتي كارثة كهذه.. عدن التي كانت مدينة النور تحوّلت إلى مدينة تعيش في ظلام دامس بفعل فشل الحكومات المتعاقبة وفسادها. لقد تعبنا من الوعود الكاذبة والمؤتمرات الفارغة، بينما المسؤولون ينعمون بالكهرباء في الفنادق الفاخرة."
صرختها الموجعة لاقت صدىً واسعاً بين الحاضرين، وهي تذكّر بأن عدن، التي كانت سبّاقة في دخول الكهرباء منذ أكثر من قرن، باتت اليوم تعيش أزمة إنسانية بسبب تدهور الخدمات وغياب الحلول الحقيقية.
أزمة الكهرباء.. إرث الحكومات المتعاقبة
تُعد مشكلة الكهرباء في عدن من أبرز القضايا الخدمية الشائكة التي تفاقمت منذ حرب صيف 1994، ووصلت إلى ذروتها بعد حرب 2015. ويُرجع كثير من المراقبين هذه الأزمة إلى ما وصفوه بـ"الحصار الخدمي" الذي فرضته الحكومات اليمنية المتعاقبة على المحافظات الجنوبية، مستهدفة قطاعات حيوية كالكهرباء والرواتب والبنية التحتية.
مؤخراً، بلغت ساعات الانقطاع في بعض الأيام نحو 21 ساعة مقابل 3 ساعات تشغيل فقط، ما دفع الحكومة الجديدة إلى إطلاق تحركات عاجلة للحد من هذا الانهيار.
سالم بن بريك.. بداية مختلفة؟
رئيس الوزراء الجديد، سالم صالح بن بريك، دخل المشهد بإيقاع مختلف، حيث صرّح صراحة بأن "الناس لم يعودوا ينتظرون خطابات واجتماعات، بل يتطلعون إلى إجراءات ملموسة تخفف من معاناتهم". وخلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للطاقة، أطلق رسالة واضحة مفادها أن الحكومة لن تكتفي بالتشخيص، بل ستباشر تنفيذ حلول فورية.
وفي هذا السياق، كثف بن بريك من اجتماعاته وزياراته الميدانية لمحطات الكهرباء، وأصدر توجيهات مباشرة لرفع القدرة التوليدية، وتأمين الوقود اللازم، إلى جانب توجيه الوزارات بالبحث عن حلول غير تقليدية لتجاوز الأزمة.
تحركات ميدانية ومخرجات ملموسة
منذ مطلع يونيو الجاري، ترأس بن بريك عدة اجتماعات وزارية لمتابعة ملف الكهرباء، أبرزها اجتماع مع وزيري الكهرباء والنفط، حيث ناقشوا خطط الإمداد بالوقود، وزيادة القدرة التوليدية تدريجياً.
وفي 15 يونيو، قام بزيارة ميدانية لمحطة كهرباء المنصورة، ووجّه باستكمال أعمال الصيانة وإضافة 20 ميجاوات من الطاقة التوليدية باستخدام المازوت، كخيار أقل تكلفة. كما شدد على ترتيب أولويات الكهرباء بحسب الاحتياج الفعلي، ورفع تقارير دورية لمتابعة الأداء.
وفي 23 يونيو، أقر المجلس الأعلى للطاقة برئاسة بن بريك حزمة من الحلول الإسعافية، لتوفير الوقود اللازم وتجاوز التحديات الإدارية والفنية التي تعيق استقرار الخدمة، مؤكدًا على ضرورة التحرك العاجل مع اشتداد حرارة الصيف.
صراع في قمة السلطة.. هل يعرقل العليمي جهود الإصلاح؟
مصادر مطلعة كشفت عن خلاف حاد بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الحكومة بن بريك، إثر رفض الأخير رفع الدولار الجمركي إلى 1300 ريال، معتبراً أن القرار مجحف ويضر بالمواطنين ويُعد انقلاباً على خطط الإصلاح الاقتصادي.
ويرى مراقبون أن العليمي يستخدم صلاحياته لفرض قرارات من شأنها إرباك الحكومة الحالية وتعطيل جهودها، خاصة في ملف الخدمات الحيوية بعدن. ويتهم خصوم العليمي باستخدام ملف الكهرباء كورقة ابتزاز سياسي، في محاولة لتقويض دور المجلس الانتقالي الجنوبي، وإضعاف نفوذه الشعبي في المحافظات المحررة.
الكهرباء كورقة ضغط سياسي
في مقال نُشر بصحيفة "4 مايو"، أكد الكاتب عبدالكريم أحمد سعيد أن أزمة الكهرباء تُستغل كورقة سياسية من قبل جهات لا ترغب باستقرار الجنوب، مشيراً إلى أن المجلس الانتقالي سبق وأن قدّم مصفوفة حلول عملية، لكن الحكومة المركزية تجاهلتها لغياب الإرادة السياسية.
وأضاف أن هناك قوى تعمل على تعميق معاناة المواطن الجنوبي، عبر إدامة الأزمات الخدمية وتوظيفها سياسياً، لخلق حالة من الغضب الشعبي، وتقويض العلاقة بين الناس ومؤسسات الدولة.
هل تنجح الحكومة في امتحان الكهرباء؟
بين الواقع المؤلم والوعود المتجددة، تبقى العاصمة عدن تواجه شبح الانهيار الخدمي في ظل حرارة الصيف وضغط الحياة. وبين جهود "بن بريك" الميدانية وإرادة التغيير، يبقى الرهان معقودًا على قدرة الحكومة الجديدة في تحويل الخطط إلى أفعال، بعيدًا عن صراعات النخب السياسية ومستنقعات الفساد.
فهل تنجح عدن في تجاوز الظلام؟ أم تبقى رهينة لمعادلات سياسية لا تعترف بألم الناس؟

