آخر تحديث :الثلاثاء 23 ابريل 2024 - الساعة:10:43:26
ماذا سيتبقى من اليمن بعد الحرب « الوحدة أو الجمهورية
(الامناء نت/كرم امان)

مع اقتراب انتهاء العام السادس من عمر الأزمة اليمنية والحرب بين الحوثيين الذين انقلبوا على السلطة والشرعية في 2014، من جهة، وبين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وباقي القوى والأطراف اليمنية الناشئة في أعقاب الحرب والتي باتت جزءا من الحكومة ، من جهة أخرى، مازال الحل بعيدا، ومساراته منسدة، وسط تفاقم معاناة المواطنين اليمنيين، واستفحال أزماتهم المعيشية، والأوضاع تزيد تعقيدا.

مضت الأزمة اليمنية في مسارات ومنعطفات عديدة، تخللها مبادرات محلية و إقليمية ودولية للسلام، إلا أن أيا منها لم يكن ذا قابلية كلية لدى أطراف الأزمة المحليين والإقليميين والدوليين، فلم يعد في إطار الأزمة اليمنية طرفين متحكمين بتلابيب المشهد ومفاتيح الحل، فقد كانت ست سنوات من عمر الأزمة وما رافقها من سوء إدارة وتقدير، كفيلة بإنتاج واقع جديد على الأرض، ودخول أطراف عديدة في إطارها، استطاعت افراز معطيات جديدة، زادت من تعقيدات المشهد و صعّبت من تنفيذ قرارات أممية ومسودات حلول سابقة، وبات التشبت بها والتشدد بشأنها يندرج في خانة «عرقلة تحقيق السلام».

لم يتمكن التحالف العربي الذي تقوده المملكة السعودية لدعم الشرعية في اليمن، منذ اعلانه في مارس 2015 ، قادرا على تحقيق الهدف التي تأسس من شأنه، كما لم يثبت فاعلية كبيرة لتحقيق ذلك، خاصة خلال السنوات الأربع الأخيرة، و هناك أسباب عديدة ربما تقف وراء ذلك، لكن أهمها يتمثل في تعدد الأهداف واختلافها داخل دول التحالف ذاته، الذي كل دولة فيه أختارت طرفا محليا لدعمه وتحقيق غاياتها وأجنداتها وأهدافها الاستراتيجية من خلاله، وهو ما ساهم في إطالة أمد الحرب و يقف عائقا أمام أي تسوية للسلام.


باءت كل مبادرات التسوية السابقة بالفشل، حتى تلك الاتفاقيات الثنائية التي كان يؤمل البعض عليها، هي الأخرى لم يكتب لها النجاح، مثل اتفاقية ستوكهولم، وأخيرا إتفاق الرياض، فلم يعد بمقدور أي طرف من أطراف النزاع في اليمن تقديم تنازلات وفقدان ما أكتسبه من نفوذ وسيطرة، لدواعي إنسانية او وطنية او تقديما لمصالح عليا، في ظل تراخي واضح من المجتمع الدولي. 

وكان المركز اليمني للسياسات نشر مقالا للكاتب الصحفي المهتم بقضايا الديمقراطية والعلمانية في العالم العربي، حسين الوادعي بهذا الشأن، بعنوان «اللعبة الصفرية في اليمن» ، أوضح فيه الأسباب الحقيقية التي تقف دائما في عودة الأمور الى نقطة الصفر. 

رأى الكاتب أن الحوثيين أصبحوا يسيطرون "على ثلث الأرض وثلثي السكان وكل سلاح الدولة السابقة تقريبا، إلى جانب المؤسسات الحكومية والعاصمة صنعاء. ونتيجة لذلك، فإنَّ الحوثيين يخافون من أن يكون القبول بصفقة سلام تتضمن تقاسما للسلطة مدخلا لـ”حصان طروادة” الذي سيضغط عليها من الداخل عند عودة الأطراف المتصارعة إلى العاصمة صنعاء، وعندها سيكون من الصعب الاستمرار في فرض هيمنتها الأمنية والعسكرية وقد أصبح الخصم داخل منطقة سيطرتها".


وبشأن الحكومة الشرعية وقواتها، يقول أنها "تعرضت شرعيتها للتآكل ونفوذها للتقلص، واقتصر وجودها على التواجد الرمزي السياسي الهش في الرياض، فإنها كلما طال وجودها في الخارج كان من الصعب على قادتها تأسيس حكومة طوارئ تمهيدا لاستعادة العاصمة صنعاء، وبما أن القادة في هذه الحكومة قد صار لهم مصالحهم ومشاريعهم الاقتصادية في الخارج، فإن دافعهم في العودة إلى اليمن لم يعد كبيرا، وترى الحكومة المعترف بها دوليا أن من شأن أي اتفاق سلام مع أنصار الله الحوثيين أن يؤدي إلى تمكين الحركة الحوثية من الانقلاب على الاتفاقية مستقبلا وتكريس نفسها كقوة مسيطرة، ولو من خلف الستار على طريقة حزب الله في لبنان". 

 كان هذان الطرفين الأساسيين في الأزمة والمشهد اليمني منذ الوهلة الأولى، إلا أن استمرار الحرب وإطالة أمدها، حفز أطراف أخرى للظهور في المشهد السياسي للأزمة اليمنية، ومنهم حزب الإصلاح اليمني الذي تمكن من الهيمنة على الرئاسة ومفاصلها والتحكم بقرارات الدولة، حيث يرى الوادعي أن " حزب الإصلاح، وهو خليط من مكونات تعتنق فكر الإخوان المسلمين وأخرى لها انتماءات قبلية،- فإنه، كما يبدو من سياساته الحالية، يرى أنَّ التوصُّل إلى اتفاقية سلام قد يكون مبكرا قبل أن يتمكن من حل معضلة الحرب الاقليمية ضد الإخوان المسلمين من قِبَل والإمارات والسعودية، ولعله يرى، تأسيسا على ذلك، أن توقف الحرب وانحسار التهديد العسكري ضد الحوثيين سيجعل الإصلاح هو الخصم الأخطر من وجهة نظر السعودية والإمارات في مرحلة ما بعد الحرب. ولذلك فقد اختار الحزب التخفي خلف لافتة الحكومة والجيش الوطني عوضا عن أن يظهر بوجهه الصريح، ووجد أن ذلك مفيدا له من أجل البقاء مؤثرا في مؤسسات حكومة الرئيس هادي. ومثله مثل الحكومة المعترف بها دوليا، يفضّل الحزب أن تتحقق التسوية مع تطبيق القرار الأممي رقم 2216". 

كان بروز حزب الإصلاح اليمني في 2016 داخل تشكيلة الرئاسة والحكومة اليمنية، دافعا قويا لأطراف إقليمية وأخرى يمنية في الجنوب الى البدء بالتفكير في انشاء كيان مناهض للإخوان ، ومؤثر سياسي في المشهد، فلم يمر عام حتى تم إعلان تأسيس المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي لم يكن تشكيله ردا على قرارات الرئاسة بإقالة عيدروس الزبيدي من محافظة عدن و هاني بن بريك من الحكومة حينها فحسب، بل كان مخطط له منذ ما قبل عام ونيف من تأسيسه. 

وتحدث الوادعي ايضا على المجلس الانتقالي في الجنوب، إذ قال: "يرى المجلس الانتقالي نفسه الممثل لدولة الجنوب المستقلة التي يطمح في إقامتها، مستقبلا، في المحافظات الجنوبية، يأمل المجلس في الحصول على اعتراف دولي غير أن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي، ولذلك اتجه نحو بناء قوته العسكرية ببطء وتأن معتمدا على الدعم الإماراتي، حيث يسيطر المجلس على أجزاء واسعة في المنطقة الجنوبية الغربية". 

ومع مرور الوقت، زادت الأطراف اليمنية توسعا، ليدخل طرف آخر في المشهد، وهو المكتب السياسي للمقاومة الوطنية الذي يقوده العميد طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل «علي عبدالله صالح» الذي اكتفى في البداية بالاعمال القتالية في جبهة الساحل الغربي، قبل أن يفضل لاحقا أن الانخراط في المشهد السياسي للأزمة، معلنا تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وتزعمه للقوات المشتركة في مناطق الساحل الغربي لليمن. 

كل عمليات تفريخ المكونات وتعدد الكيانات وزيادة الأطراف والقوى في المشهد السياسي اليمني، تمت ومازالت في المحافظات المحررة فقط، اذ يظل الحوثي الطرف الوحيد المهيمن على مناطق الشمال بالسطوة، مزيحا كل الأطراف التي تحاول المساس بواحدية كيانه و أطماعه وأجندات إيران التوسعية التي ينفذها. 

في الآثناء، طل رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر ومعه نائب رئيس البرلمان عبدالعزيز جباري ، ملوحين بمبادرة جديدة تدعو الى تأسيس مجلس انقاذ وطني من كل الاطراف بما فيهم الحوثيين، لوقف الحرب وانهاء الازمة الحالية وتقاسم السلطة والثروة ، مع التأكيد أن هذه المبادرة تأتي للحفاظ على الجمهورية وسلامة وحدة أراضي اليمن ، لكن سرعان ما توالت الردود تنهال على مبادرتهما من الشرعية ذاتها بحكومتها وبرلمانها ورئاستها، ومن الحوثيين أيضا. 

ومع ذلك لاقت مبادرة بن دغر و جباري أصداء واسعة خلال الأيام القليلة الماضية والتي جاءت على وقع تفاقم الازمة الاقتصادية و انهيار غير مسبوق للعملة الوطنية في اليمن، إذ جاءت تلك المبادرة مواتية لافكار المواطنين الذين لا يرون في إطالة أمد الحرب الا وبالا لهم ولتفاقم أزماتهم المعيشية، في حين يراها أخرون من النخب اليمنية أنها خنوعا وإذلالا وخضوعا للحوثي وانقلابا على الشرعية وأهدافها. 

وأمام كل ذلك، بات من الضروري التفكير مليا في عناصر الأزمة اليمنية وأطرافها لتسهيل التوصل الى تسوية سياسية عادلة ودائمة ، فهناك أطراف أكدت مرارا على مناهضة المشروع الحوثي والعمل مع التحالف العربي للقضاء عليه حفاظا على الجمهورية والمصير المشترك، لكنها في ذات الوقت مناوئة للوحدة التي تراها بأنها لم تكن بحجم الطموحات ولم تحقق أهداف الشعب شمالا وجنوبا، وأطراف أخرى تسعى لبقاء الوحدة، لكنها لا تؤمن بالجمهورية، وآخرين «أقل نفوذا وسيطرة» ممن يبدون تمسكا بالإثنتين معا.

وجغرافيا، فلم تعد مناطق سيطرة الحوثيين شمالا ( جمهورية ) أو على الأقل غير متمسكة بالجمهورية، بالمقابل لم تعد (الوحدة) ورايتها موجودة في مناطق يمنية واسعة بالجنوب التي يسيطر عليها المجلس الإنتقالي الجنوبي وفصائل أخرى تحمل ذات التوجه والهدف والمتمثل بالإنفصال او (الاستقلال)، وسط تضاءل نفوذ و تآكل جغرافيا الأطراف الأخرى الذين مازالوا يبدون تشبتا على ما تبقى من الجمهورية والوحدة.







شارك برأيك