آخر تحديث :الخميس 28 مارس 2024 - الساعة:17:30:09
للمرة الخامسة في 6 أعوام.. هل يؤثر تغيير قيادة "المركزي اليمني" على قيمة العملة؟
(الامناء/إرم نيوز:)

في كل مرة تشهد فيها العملة الوطنية في اليمن تدهورا أمام العملات الأجنبية في السوق المحلية، تتصاعد معها المطالب والدعوات لضرورة تغيير قيادة البنك المركزي اليمني، محملين إياه مسؤولية ذلك الانهيار المستمر لقيمة الريال اليمني.

وتزامنت تلك الدعوات مؤخرا مع تداول أنباء عن قرارات رئاسية مرتقبة لتغيير قيادة البنك المركزي اليمني للمرة الخامسة على مدى ستة أعوام من عمر انتقال إدارته من صنعاء إلى عدن بقرار رئاسي في سبتمبر 2016.

وتعاقب على قيادة البنك المركزي منذ قرار انتقال مقره الرئيسي إلى العاصمة المؤقتة عدن، أربعة محافظين، بدءا بمنصر القعيطي الذي تم في عهده الإذن بطباعة أكثر من 2 ترليون ريال يمني وفق طبعات جديدة تختلف عن السابقة، في سبيل مواجهة التزامات الدولة وأعبائها الجديدة، حيث بات مركزي عدن وقتها مسؤولا عن صرف مرتبات موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري، في حين كانت خزينته تعاني شحا كبيرا في السيولة.

بداية التدهور

ظل البنك المركزي اليمني في صنعاء منذ بداية الانقلاب الحوثي على الشرعية في سبتمبر 2014، محافظا على انتظام صرف مرتبات موظفي قطاعات الدولة، مستفيدًا من احتياطياته النقدية الكبيرة من العملة المحلية والعملات الصعبة، وما يورد له من إيرادات من المحافظات، وما أن أوشكت الاحتياطيات على النفاد، تراجع عن سداد التزاماته من مرتبات، حتى أعلن صريحا في أغسطس 2016 توقفه عن صرف المرتبات، خاصة مع توسع رقعة الحرب وزيادة نفقاته على مجهوداته الحربية التوسعية. في ذلك الوقت، وصل سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 305 ريالات يمنية، بعدما كان ثابتا لسنوات على 215 ريالا، في حين تجاوز سعر الريال السعودي حاجز الـ 79 ريالا يمنيا، مرتفعا بنحو 22 ريالا.

وتدخل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حينها، وأصدر قرارا في سبتمبر 2016 بنقل مقر البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن وتشكيل مجلس إدارة جديد للبنك، وهو القرار الذي نقلت بموجبه كافة التزامات وأعباء وديون الدولة من صنعاء إلى مركزي عدن، الذي كانت خزينته وقتها شبه خالية من السيولة والاحتياطيات، ولا يستطيع أن يتحكم بأي أرصدة لليمن في البنوك الخارجية.


 
وظلت أسعار صرف العملات الأجنبية منذ ذلك الحين شبه مستقرة بين 305 و 80 ريالا للدولار والسعودي، حتى يناير 2017 الذي كان موعدا لمنعطف جديد لقيمة العملة اليمنية التي بدأت تتراجع متأثرة بوصول أول دفعة من الطبعات الجديدة للعملة إلى عدن من فئتي ألف ريال وخمسمئة ريال، وبدأ ضخها في السوق، ولم ينته العام 2017 إلا وقد تجاوزت أسعار صرف العملات حاجز الـ 450 ريالا للدولار و 120 ريالا لكل ريال سعودي، مع استمرار وصول الدفعات من الطبعات الجديدة للعملة تواليا، وتوسعها لتشمل فئات أخرى مثل 200 ريال و 100 ريال.

وفي يناير 2018 أودعت السعودية ملياري دولار في حساب البنك المركزي اليمني بالخارج، في سبيل الحفاظ على قيمة العملة وتعزيزها ومنع تدهورها، وسط دعوات بدأت تنشط على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بتغيير قيادة المركزي اليمني، ليتم بعدها تعيين محمد زمام محافظا جديدا للبنك المركزي في فبراير من ذات العام، ومع ذلك تواصل ارتفاع أسعار الصرف، مسجلة في نهاية عام 2018 ارتفاعا بمعدل 70 ريالا مضافا للدولار على سعر صرفه بداية العام، وبمعدل 20 ريالا تقريبا مضافا للريال السعودي.

مطالب بتعيين قيادة جديدة

إزاء ذلك، أعاد ناشطون يمنيون مطالبهم وحملاتهم الإلكترونية الداعية إلى تغيير قيادة البنك المركزي للمرة الخامسة خلال خمس سنوات. وعلى وقع ذلك، تواصلت ”إرم نيوز“ مع عدد من الاقتصاديين والباحثين والمهتمين بالشؤون المالية والمصرفية في اليمن، لأخذ آرائهم حول أهمية ما يتداول من أنباء وحملات لتغيير قيادة المركزي اليمني وتأثيرات ذلك على العملة اليمنية والبنك المركزي ذاته.

وبهذا الشأن يقول الدكتور محمد باناجة، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن لـ ”إرم نيوز“: ”تغيير قيادة البنك المركزي في الوقت الحالي غير صحيح، وبالتأكيد لن يحقق أي تغيير أو معالجة لأزمة العملة المحلية وأسعار الصرف“، متسائلا ”لماذا يتم تغيير قيادة البنك مرة خامسة؟“.

وأضاف باناجة أن ”الحل لا يكمن في تغيير شخوص قيادة البنك المركزي، لا طبعا، لأن أسباب الأزمة المركبة كثيرة، وحتى لو يأتي عباقرة الاقتصاد الأمريكي في ظل بقاء العوامل المؤثره كما هي، فلن يحدث أي حل“.

بدوره، يرى المحلل الاقتصادي اليمني وحيد الفودعي أنه ”لن يحدث أي تغيير أو فارق في حال تمت إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي مع بقاء المعطيات الأخرى، التي أهمها مالية الدولة، والوضع السياسي القائم كما هو عليه الآن، لأن المشكلة متداخلة وليست في قيادة البنك، وحتى وإن كان لدى الإدارة الحالية قصور، وغيرت أكفأ قيادات فستظل المشكلة قائمة“.


 
وتابع في حديث لـ ”إرم نيوز“: ”سيحدث فارق كبير في حال تمت إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي من ذوي الكفاءات والخبرات المشهود لهم بالنزاهة مع دعم خارجي نقدي وإحداث إصلاحات في مالية الدولة وإحداث تقارب سياسي“.

وأوضح الفودعي أن ”مشكلة البنك المركزي تكمن في افتقاره حتى الآن لكادر وظيفي مؤهل وضعف أو شلل في قطاع الرقابة على البنوك رغم المحاولات لرفع قدرات البنك، لذلك سترحل هذه الاختلالات لأي مجلس إدارة جديد، فالبناء المؤسسي للبنك مازال هشا ويتطلب مزيدا من الجهود، مع الإشارة إلى وجود الكفاءات، لكن الأمر يحتاج الأخذ بيدهم فقط“.

حل مؤقت

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي اليمني ماجد الداعري أن تغيير قيادة البنك المركزي للمرة الخامسة سيكون ”حلا مؤقتا وقصيرا لأيام ثم يعود انهيار العملة مجددا، لأن الحلول الاقتصادية والمعالجات المصرفية المطلوبة تتطلب تكامل عوامل متعددة، كإيجاد مجلس إدارة من متخصصين وكوادر مصرفية ذات خبرة ونزاهة، وتوفير احتياطي نقدي ضروري لا يقل عن خمسة مليارات دولار للبنك المركزي لتمكينه من تنفيذ أي سياسة أو خطة نقدية إنقاذية وإعادة السيطرة على القطاع المصرفي المختطف من قبل الصرافين وهوامير المضاربين والمتلاعبين بالعملة“.

وتابع في تصريح خاص لـ ”إرم نيوز“، مؤكدا الحاجة أيضا إلى ”إعادة تفعيل كافة صادرات اليمن النفطية والغازية وتحويل عوائدها بالعملة الأجنبية إلى البنك المركزي اليمني في عدن، وضبط أدوات تحصيل موارد الدولة الضريبية والجمركية وإصلاح مالية الحكومة، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة ودور القضاء لمحاكمة الفاسدين، واجتثاث شأفتهم من مختلف المؤسسات، وإزالة العقوبات الدولية المفروضة على التحويلات المالية الدولية لليمن، ورفع القيود الخارجية من البنوك العالمية، وإعادة تعاملاتها مع البنك المركزي اليمني في عدن وبقية البنوك المحلية، وإلزام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتقديم مساعدات مالية وإعادة حصص اليمن من المنح والقروض وإطلاق كل الأرصدة المجمدة بمختلف بنوك العالم، وإزالة قيود التعامل المصرفي مع اليمن“.

وأشار الداعري إلى التأثيرات السلبية لتواصل تغيير قيادة البنك المركزي وعدم الاستقرار على قيادة واحدة، حيث قال: ”للتغييرات أضرار كبيرة فعلا على واقع استقرار العملة وثقة الخارج والبنوك وصندوق النقد والبنك الدوليين بالبنك المركزي، لكن مشكلتنا أن كل التغييرات تأتي بالأسوأ غالبا، وتتسبب بمزيد من الانهيار المتسارع للعملة، ما يجعل التغيير أمرا اضطراريا ولو من باب مناوشة وإرعاب الصرافين والمتلاعبين بالعملة مؤقتا حتى تتوقف الحرب وتستقر البلاد وتعود مواردها ومؤسساتها الحكومية“.

الأخبار السلبية

ويرى الباحث الاقتصادي المهتم بالشؤون المالية والمصرفية، أيمن العاقل، أن تغيير قيادة البنك المركزي للمرة الخامسة تواليا ”قد يتسبب بتحسن طفيف في أسعار الصرف على المستوى القريب فقط لا غير، والسبب في ذلك أن سوق أسعار الصرف في اليمن أصبح أشبه بسوق البورصة، ولكن بشكل غير منظم، وبالتالي يتأثر بالأخبار الإيجابية والسلبية، وخبر تغيير قيادة البنك المركزي خبر إيجابي حاليا، وهذا قد يؤثر على أسعار الصرف في اليمن على المدى القريب فقط، ومع ذلك فإن استمرار التغييرات لقيادة البنك يؤثر على مكانة البنك المركزي ويهز ثقته لدى الداخل والخارج“.

وأضاف العاقل في حديث خاص لـ ”إرم نيوز“ أن ”تغيير قيادة البنك المركزي في ظل انعدام السياسة المالية للحكومة وتعطل مالية الدولة وعدم تحصيل الإيرادات يقف عائقا أمام أي قيادة جديدة للبنك المركزي اليمني، وبالتالي سيقف البنك عاجزا عن تحقيق أي استقرار لأسعار الصرف على المدى الطويل، ولا ننسى انقسام السلطة النقدية بين بنك صنعاء وبنك عدن ووجود طبعتين مختلفتين للريال اليمني، يتم التعامل بكل طبعة على حدة، ما شكل فارقا بينهما، ولا يمكن حل هذه المشكلة إلا بالاتفاق السياسي بين طرفي النزاع“.


واختتم العاقل قوله: ”لا ننسى أن للأحداث السياسية الجارية في البلد تأثيرا كبيرا جدا على مستوى أسعار الصرف وأن مفتاح الحل لاستقرار أسعار الصرف هو التوافق السياسي بين طرفي النزاع في اليمن.. عندها يمكن أن تستقر أسعار الصرف على المدى البعيد والقريب“.



شارك برأيك